تظل آلة «السمسمية» هى الآلة الفريدة التى ليست لها مثيل فى العالم.. تناقلها أبناء القناة أباً عن جد ليعبروا من خلالها عن أفراحهم وآمالهم وأحلامهم، وصمودهم إبان الحروب المتتالية ووقت التهجير عن بيوتهم ومدنهم عقب حرب 1967 حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من شخصية رجل الشارع فى مدن القناة الثلاث « السويس – الإسماعيلية – بورسعيد «، بل إنها إنتقلت للضفة الأخرى من القناة إلى المدن القريبة فى جنوب سيناء ليعزف الجميع أهازيج وأغانى النصر والأفراح.!!
يمثل فن «السمسمية» أحد أهم الفنون الشعبية فى مصر، والتى تعكس شخصية وعقلية رجل الشارع فى منطقة القناة، وعرفها القاصى والدانى عندما إنتقلت فرقها لتقديم فنونها فى جميع أنحاء مصر لترسخ رمز الفن الشعبى بتلك المنطقة الغالية، لذا أصبحنا لا نستغنى عن تقديم فنون «السمسمية» فى كل المناسبات القومية والوطنية، وحتى الاجتماعية فهى جزء من الفنون المصرية الفلكلورية العريقة.!!
أيقنت وزارة الثقافة المصرية أهمية آلة السمسمية فى تاريخ الوطن التراثي، وانفراد أبناء مدن القناة بتلك الآلة فناً وصناعة، مما جعل مصر تسعى لتسجيلها على قوائم التراث الثقافى فى هيئة اليونسكو كصناعة وفن تراثى شعبى نادر، حيث عكفت لجنة علمية من كبار أساتذة الجامعات والمهتمين بالتراث تبحث عن تاريخ تلك الآلة – فى منطقة القناة – وكيفية صناعتها لتسجلها بعد عامين من البحث والتقصى وجمع المعلومات والشهادات من روادها، وتم تسجيلها رسمياً مما يعد اعترافاً دولياً بآلة السمسمية!!
ويعود تاريخ آلة السمسمية فى مدن القناة إلى منتصف القرن التاسع عشر إبان فترة حفر قناة السويس، عن طريق العمالة المصرية الذى أتى بهم الخديوى من جميع أنحاء البلاد لحفر القناة، وتصادف أن اصطحب عامل شاباً نوبياً معه تلك الآلة لتسليته فى الغربة، وما لبثت أنغام تلك الآلة أن تغلغلت بين العمال يصفقون على أنغامها، ويرقصون على موسيقاها، ويتغنون بأغنيات تشجعهم على تحمل مشقة العمل، حتى ارتبط بها العمال على طول القناة يبثون من خلالها أهازيج أفراحهم ومعاناتهم، وما لبث أن توارثت الأجيال المتعاقبة اقتناء تلك الآلة وبموسيقاها وصناعتها!!
اهتمت الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة بفن السمسمية، فحرصت على الاحتفال به كل عام عن طريق «ملتقى السمسمية» والذى أصبح يقام كل عام فى أغسطس بقصر ثقافة الإسماعيلية، سعياً لتواصل الأجيال فى الاهتمام بالتراث الخاص بمدن القناة وفنونها والحفاظ عليه، وفى الاحتفالية التى حضرها وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية امتزجت فرق الفنون الشعبية على خشبة المسرح بالجمهور الذى ملأ أركان المسرح يرددون معاً أغانى «السمسمية» والتى يحفظونها عن ظهر قلب، تلك الأغنيات والأهازيج المعبرة عن تاريخ تلك المدن وعن شخصية مواطنيها منها: بيتغى لمين ياحمام – البمبوطية – أه يالالي، إلى جانب الأغنيات التى ارتبطت بالمقاومة الشعبية وأشهرها يادنيا سامعانى – الصهبجية.
بل أن السمسمية لعبت دوراً كبيراً فى فترة حرب الاستنزاف وتحولت لأداة إعلامية، عندما ألهبت بصوتها العالى مشاعر الوطنية عند الجنود والمواطنين، مما دفع عدداً كبيراً يدخل سلك المقاومة كفدائيين خلف خطوط الصهاينة، لتتحول السمسمية إلى رمز الكفاح والفرح والانتصار.!!