ما من مرة ذكر أحدنا واقعة أو موضوعاً أو أمراً ما إلا وجاء تعليقه أشك فيما تقول! حتى القرارات الرسمية كان يفاجئنا بالتشكيك فيها وأخر العجائب ما ذكره صديق لنا عن سعر أحد الأجهزة التي اشتراها فإذا به يقول له معقول هذا سعره وبدا على وجهه «آمارات» الشك في كلام الصديق والذي بدوره انفجر فيه قائلاً: أنت تشك في نفسك أصلاً! وتكهرب الموقف فتدخل أحد الحاضرين من الأصدقاء ملطفاً من الحوار قائلاً: لا تغضب منه إنه الشكاك الأكبر لكن صديق آخر التقط الوصف وابتكر واحداً جديداً وطريفاً اشتقه من اسم والد صاحبنا الشكاك فقال لنا لا إنه الشكاك بن يوسف… على وزن شخصية تاريخية شهيرة وضحكنا جميعاً وانتهى الموقف بسلام.
لكن سؤالنا: هل الشك بداية طريق أم نهايته؟ يعد الشك من الناحية المعرفية أداة قوية للتحقق والتفكير الناقد، إنه يدفعنا إلى البحث عن إجابات لأسئلة مطروحة، بل واختيار الأكثر دقة، وعلى سبيل المثال: هناك الشك المنهجي عند الفيلسوف الفرنسي (ديكارت) والذي يمكن إيجازه ببساطة أنا أشك إذن أنا أفكر وأنا أفكر فأنا موجود. ومن هنا فإن الشك في المعرفة دليل وجودنا كأصحاب عقل نفكر من خلاله فيما حولنا. وهنا يكون الشك بداية طريق إلى المعرفة.
لكن عندما يصل الأمر إلى حالة من الشك في علاقاتنا الشخصية على نحو مستمر فإن هذا النوع المفرط يجردنا من الشعور بالصدق والولاء تجاه الآخرين مما يجعلنا نحن وهم في توتر دائم، ومن ثم فإنه هدم لتلك العلاقات.
كما يمثل الشك نهاية طريق عندما يكون مطلقاً أي لا يقف عند حد ولا يقيده قيد وتعبر عنه هذه الصيغة الفكرية إنه لا يوجد شيء وحتى إن كان هناك شيء ما فلن نستطيع معرفته وإذا عرفناه لا يمكن التواصل معه.
إنه يعبر عن استحالة بلوغ المعرفة ويشكك في صدق أدواتها وهنا يكون الشك غاية في حد ذاته لا وسيلة للوصول إلى شيء، إننا بصدد ما يسمى جنون الشك أو مرض الشك الذي يصنف ضمن قائمة الاضطراب العقلي الذي يؤدي إلى العجز التام عن الحكم على قضية أو أمر واتخاذ رأي معين.
لكن ما يجب ذكره أن العقل في رحلة الشك تصبح مهمته فرز ما هو صالح من الطالح والثمين من الغث والحق من الباطل، فالتسليم بكل ما وصلنا من خلال التقليد أو الاعتياد يوقف مهمة العقل الذي وهبه الله للبحث والتفكير والتدبر.
إنه يعد إسقاطاً لمعنى التكليف الإلهي للإنسان، إذ أنه ليس إنكاراً للمسلمات، بل منهجية للعقل في التفكير. وأتذكر ما قاله الشاعر المبدع “إبراهيم عبد الفتاح”: باعتذار عن كل شيء …. اعتذر عن كل شك أو يقين، عن وشوشات العاشقين، عن زمني وعنفي عن حزني أو فرحي وعن كلام اتقال وعن السكوت لو طال.