من القضايا التى تحتاج دائماً إلى يقظة ووقفة هو ما يجرى فى غالب بلادنا العربية منذ بدء ما يُسمّى بالربيع العربى عام 2011 وحتى اليوم 2025، وقفزة الإخوان لحكم مصر إصرار بعض ما يسمى بالمعارضة المتصلة بها ومنهم الفصائل المسلحة والإرهابية خاصة القاعدة وداعش ومن شابههم فى بلادنا العربية والإفريقية «القادمة» وأغلبهم فى الخيمة الإخوانية!، على إبقاء الوجود الغربى فى البلاد التى يدعون الهيمنة عليها وحكم بعضها وكانوا بالأمس يسمونها «كفار» ولا يجوز بقاؤهم ولكن.. بمجرد وصولوهم لحكم تلك البلاد المنكوبة بهم.. إذ هم «أمريكان» أكثر من الأمريكيين أنفسهم و»إسرائيليون» أكثر من الإسرائليين أنفسهم.. بل ويتذللون لهم الآن لكى يبقوا ويخدمونهم بأشفار عيونهم الداعشية.. ترى لماذا؟ ببساطة.
وبدون أن نجهد أنفسنا بالإجابة عبر تاريخهم «الخوارجى المعلوم» هؤلاء – خاصة الإخوان وأطفالهم من الإرهابيين الجدد! «ليسوا أصحاب عقيدة ومبدأ» بل «بندقية للإيجار».. بندقية لمن يستخدمها وما الذقون والأحاديث والآيات سوى رايات زائفة للتمويه على الشعوب المقهورة ولكنهم ليسوا سوى «وكلاء لدى هذه الدول والأجهزة بعلم – وهو الغالب – أو بغير علم!» وهم مجرد «جماعات وظيفية» وليسوا «جماعات دينية صادقة» فهم بمن يوظفهم ويشغلهم ويستعين بها حتى ضد «الدين» ذاته وليس الأوطان فحسب! إن هذا الإصرار على الاستعانة بالأجنبى يُعدّ خطيئة سياسية ودينية، خاصة أن هذا الأجنبى الذى لم يُعرَف عنه فى تاريخه الدامى الطويل رأفة بالشعوب العربية والإسلامية أو بمَن سواهم من جماعات الأقلية الإثنية أو الدينية، بل كان دائماً يُتاجر فى مُعاناتهم ثم تنتهى به الحال إلى بيعهم بأبخس الأثمان مقابل مصالحه.
بهذه المناسبة نفتح ملف القضية مُعيدين التأكيد والقول بأن الاستعانة بالأجنبى المعروف عنه العداء لأمّتنا العربية والإسلامية، يُعدّ فى تقديرنا خيانة سياسية ودينية ولا شك فى ذلك، واستسهال بعض النشطاء الحقوقيين والجماعات المسلّحة «تحت غطاء الإخوان – وكذلك الفقهاء مثل «القرضاوى فى بداية ما كان يُسمّى بالربيع العربي» لفكرة الاستعانة والاستقواء بالأجنبى لدعم ما يسمّونه بالثورات العربية أو حقوق الإنسان فى بلادنا، تُعدّ فى نظر الثوّار الحقيقيين ومن وجهة نظر الفَهْم الإسلامى الصحيح، طعناً للدين ومخالفة صريحة لنصوص القرآن وأحاديث وسيرة النبى «ص»، وهى تستوجب من قائلها أو المؤمن بها الاعتذار، إن لم يكن التوبة، لأن العدو هو الوحيد المُستفيد من مثل هذه الدعوات والفتاوي، على أى حال دعونا نسأل: ماذا عن رأى الشرع خاصة فى تحالف المسلمين مع أعداء الأمّة من أجل مصالح رخيصة كما هى الحال الآن؟ بداية يقول العلماء الثُقاة: إن الحلف وفقاً للفَهْم الإسلامى قسمان:
القسم الأول: حلف لا يخالف شرع الله، بل يحقّق مصالح للمسلمين وغيرهم، كحلف «الفضول» الذى قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لو أدعى به فى الإسلام لأجبت» ولكن الشرط الأساسى فيه هو العدل ودفع العدوان وهو أمر غير متوافر فى تاريخ علاقاتنا بالغرب منذ مائتى عام ومنذ الدور الأمريكى المُسانِد للكيان الصهيونى منذ 1948 على الأقل، وبالتالى لا يجوز هنا القياس عليه أو الاستشهاد به، أما القسم الثانى فهو الحلف الذى كان معمولاً به فى الجاهلية، حيث يختصّ بتعاقُد المتحالفين على التناصُر على الحق والباطل، وعلى التوارث بينهم من دون الأقارب، وكذلك التوارث بالهجرة، الذى كان معمولاً به فى المدينة بين المهاجرين والأنصار، عندما آخى بينهم الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ثم نسخ الله تعالى ذلك، ورد الإرث على الأقارب، كما فصل ذلك فى سورة النساء، وأبقى تعالى بين المهاجرين والأنصار وكافة المؤمنين، التناصُح والتناصُر والمواساة. والذى نسخ التوارث بين غير الأقرباء، قوله تعالي: «وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ – الأنفال: 75».
وفى هذا المعنى ذهب العلماء الثقاة – لا علماء السلاطين أمثال الإخوان وفقا لفتاويهم التى أباحت ذلك منذ ثلاثينيات القرن الماضى وحتى اليوم – فى تفسير قوله تعالي: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ – سورة النساء: 33»، أنهم فى أول الإسلام قد كانوا يتوارثون بالحلف من دون النسب، وهو معنى قوله: «وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» إلى أن جعل الله ذوى الأرحام أولى من الحليف بقوله: «وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ» «الأحزاب: 6». فقد كان حلف الإسلام على التناصُر والتوارُث ثابتًا صحيحاً.
ويدخل فى هذا القسم – الحلف المخالِف لشرع الله – دخولاً أوليّاً، تحالف بعض المسلمين مع بعض، على ظلم غيرهم من المسلمين، وأشد جرماً من ذلك، تحالف بعض المسلمين مع غير المسلمين، على مسلمين، كما يحصل اليوم من التحالف بين بعض العناصر فى سوريا والعراق ومصر مع الأمريكان والصهاينة، الأمر الذى يؤدّى إلى نتائج كارثية تهدّد الأمن والوطن والدين ذاته، وهنا يأمرنا الله نصّاً بالآتي:- وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ – المائدة: 2»، أليست الاستعانة بالأجنبى هنا وفى أغلب البلاد التى ابتليت بالاخوان والتكفيريين «القاعدة وداعش والنصرة ومن لف لفهم!» قد أدّت إلى الاحتلال والمهانة؟.
نخلص من ذلك إلى الجَزْم بأن مقاومة الظلم وتلبية أشواق الإصلاح والتغيير فى بلادنا العربية والإسلامية ينبغى أن يتحقّق عبر عمليات إصلاح جاد ومتدرج وطنى وداخلى وليس بالاستعانة بالأجنبى – تمويلاً أو تدخلاً – كما فعل الاخوان عبر تاريخهم من «1928 – 2025»
ونختم هنا بهذه العبارة لعالِم ومجاهِد جزائرى كبير ضد الاحتلال الفرنسى يعرفه الاخوان ..ويعرفه ولاشكّ دُعاة الاستعانة بالأمريكى، وهو «عبدالحميد بن باديس» حين قال: «والله لو طلبت منى فرنسا» التى كانت تحتل بلاده آنذاك» أن أقول لا إله إلا الله.. لما قلتها فالدول الفاسِدة بجماعات الإخوان ومربيها وشيوخها وفتاويها الشاذّة المُعادية لروح الإسلام هذه الجماعات التى سيطرت على دول لا تبغى خيراً أو إصلاحاً، بل الاستقواء بالاجنبى لمزيد من العبودية وبهدف الحكم ليس ألا وهو ما يخالفه الإسلام الصحيح وأشواق شعوب أمتنا فى الإصلاح.. بعد التجارب المريرة لتلك التنظميات فى حكم بلادنا.. حفظ الله مصر! وانتبهوا يا أُولى الألباب.