بدعوة كريمة من أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ وباحثى الفتوى وفى إطار الجهود المشتركة التى تقوم بها الأكاديمية مع المنظمة العالمية لخريجى الأزهر لمواجهة الأفكار المنحرفة وتحصين العقول من التأويلات المغلوطة للنصوص الشرعية شاركت بمحاضرة بعنوان «سيكلوجية الفكر التكفيرى» وذلك ضمن فعاليات دورة تفكيك الفكر المتطرف الموجهة لعدد من الأئمة والدعاة من دولة فرنسا والمنعقدة حالياً بمقر الأكاديمية بالقاهرة.
بادئ ذى بدء أود أن أوضح مدى أهمية الرسالة التى تقدمها أكاديمية الأزهر العالمية من خلال توجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فى تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع سواء داخل مصر أو خارجها وذلك من خلال برامج تم وضعها بمعرفة كبار العلماء ورجال الدين والفكر المستنير .
ويأتى على رأس تلك البرامج دورة «تفكيك الفكر المتطرف» وهى تستهدف تأهيل الأئمة والوعاظ الوافدين ليكونوا سفراء للأزهر فى بلادهم وليتمكنوا من نشر وسطية الإسلام وتعاليمه السمحة وتصحيح المفاهيم والأفكار المغلوطة عن الدين الإسلامى الحنيف من خلال اللقاءات والنقاشات المتبادلة بين علماء الأزهر والأئمة الوافدين حول موضوعات عديدة أهمها – من وجهة نظرى «سيكولوجية تفكيك الفكر المتطرف» والعمل على تصحيح معتنقى هذا الفكر من خلال الحوار وفهم النصوص الشرعية ومقارعة الحجة بالحجة استناداً على فهم صحيح الدين ومواءمته مع مجريات العصر وتطوراته وإمكانية الدفاع والحديث عن القضايا المثارة بفكر مستنير.
وبالعودة الى المحاضرة التى تشرفت بالقيام بها وللحق أقول إننى فوجئت بالإمكانيات المتطورة التى تتميز بها الأكاديمية والتى تؤدى الى سهولة التواصل مع الأئمة الوافدين سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عن طريق وسائط التواصل الحديثة وهو ما تم بالفعل خلال محاضرتى حيث وجدت أمامى وعلى شاشة كبيرة مجموعة من كبار الأئمة والوعاظ الذين يحملون الجنسية الفرنسية إلا أن أصولهم ترجع إلى الجزائر وتونس والمغرب وجزر القمر وجميعهم يعملون بمساجد كبيرة فى فرنسا والمحافظات التابعة لها….وأشهد أن الجميع كانوا على أتم الاستعداد لسماع المحاضرة وتقريباً قاموا بكتابة معظم النقاط التى تحدثت عنها والتى جاءت على عدة محاور كان من أهمها التفرقة بين التشدد والتطرف والإرهاب وقد لاحظت اهتمام المجموعة بمعايير التفرقة بين التشدد والتطــرف تحديــداً حيث أوضــحت لهم أن التشــدد يراد به المبالغة فى الاحتياط للدين والأخذ بالعزائم دون التعنت أو ما يناقص التخفيف والتيسير ودون الغلو فى معاملة النفس والأهل وهو ما طالب المشرع بتجنبه والحذر منه وما يفضى إليه من العنت والتفلت فى الدين
ثم تطرقنا الى المراحل والأسباب التى تؤدى الى التطرف والتى تتمثل فى كراهية المجتمع ثم العزلة الشعورية أو الإرادية الى مرحلة الانضمام لتنظيم أو جماعة تتشارك فى نفس الأفكار والمفاهيم…..و عن أسباب التطرف أوضحت أن أبرزها يعود إلى الأوضاع الاقتصادية والحياتية مثل الفقر والجهل والبطالة والشعور بالظلم والتهميش بالإضافة الى التفكك الأسرى وغياب الدور التوعوى سواء أثناء الدراسة أو داخل الأسرة.
ثم تناولت العديد من الأمثلة والنماذج التى تم التعامل معها فى العديد من المبادرات التى قامت بها الدولة المصرية والتى ساهم فيها كوكبة من علماء الأزهر الشريف والتى ترتب عليها إطلاق مبادرة وقف العنف التى أطلقها قيادات الجماعة الإسلامية وعلى رأسهم الشيخ كرم زهدى والدكتور ناجح إبراهيم والشيخ نبيل نعيم وغيرهم من القيادات المؤثرة والتى ترتب عليها إطلاق سراح العديد من كوادر الجماعة وغيرهم ممن أقتنعوا بالأفكار الوسطية والبعد عن العنف كوسيلة لإعادة ما يسمى بدولة الخلافة..كما تناولت جهود الدولة المصرية فى القضاء على البطالة ومحاولات إيجاد فرص عمل للشباب والاهتمام بتجديد الخطاب الدينى وحملات التوعية المستمرة.
طلب الأئمة المشاركون فى المحاضرة توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بالموضوع حيث أوضحوا أن مهمتهم فى فرنسا غاية الصعوبة فهى ليست دولة إسلامية كما أن تعامل الدولة من أصحاب الجنسية الأصلية يختلف عن المتجنسين بها وهو ما يدفعهم إلى استخدام العنف والتطرف للإعلان عن مطالبهم وحقوقهم…كما أنها دولة يمارس فيها كل ما يخالف الإسلام مثل عدم تحريم الخمور وممارسة الدعارة وغيرهما مما يجعل الدور الملقى عليهم ليس بالسهل أو الهين كما أن اللغة أحياناً تقف عائقاً حول ما يرغبون فى إيصاله للسائل أو المتشدد والمتعصب كما أن ظاهرة»الإسلاموفوبيا» تجتاح الشارع الفرنسى وإعتبار كل ما هو مسلم أو ملتح متطرفاً أو إرهابياً وبالتالى فإن هناك أحياء بالكامل لا يقطنها سوى المسلمين عملاً وسكناً وعبادة وتجارة ودائماً ما تكون حولها إجراءات أمنية مشددة من جانب الأمن الفرنسى.. أما الالتحاق بالعمل فى الجهات الفرنسية الرسمية مثل البنوك والوزارات والشركات الكبرى لا تقبل بسهولة أى عربى مسلم ملتح متجنس بالجنسية الفرنسية وهنا يتم اللجوء لهؤلاء الأئمة يطلبون منهم الفتوى والتوجيه حول هذا التعنت الذى يتعرضون له من قبل الحكومة الفرنسية.
أبديت تفهمى لكافة تلك المصاعب وأكدت لهم أن هناك متغيرات طرأت بالفعل على المجتمعات الأجنبية وأن هناك العديد من الأعمال الإرهابية نسبت إلى الإسلام وهو ما يترتب عليه أن يكون دورهم يأتى فى إطار ما نادى به الأزهر الشريف وهو العمل على إيصال صحيح الدين الإسلامى للشعب الفرنسى .
وإن وضع الائمة فى فرنسا يستلزم ان يكون لهم دور أكبر من مجرد إقامة الشعائر والصلوات بل من الممكن أن يكونوا حلقة وصل صادقة ومخلصة للجانبين لتحقيق الشعور بالأمن والاستقرار من ناحية الدولة والعدل والمساواة وتوفير الحياة الكريمة للمسلمين بها من ناحية أخرى.
كان اللقاء تفاعلياً بامتياز أعربت فيه عن تقديرى لاهتمامهم به وأعربوا هم عن تقديرهم للأكاديمية وللأزهر الشريف فى الدور الرائــد الذى يضطلع به فى مواجهــة الفكــر التكفيرى وتصحيــح المفاهيم المغلوطة من خلال تلك البرامج بما يسهم فى ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال.