جاءت المؤشــرات الاقتصــادية فى الفترة الأخيرة مبشرة وإيجابية رغم التحديــات الصــعبة والمتغيــرات الجيوسياســية، وأيضاً تداعيات الأزمــات والصــراعات الإقليميــة والدوليــة، الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد أن مصر تجاوزت الأزمة الاقتصادية فى ظل ظروف قاسية، وأن هناك نمواً وإن كان بطيئاً وليس سهلاً، لكن هناك حالة من التعافى، وعبور عنق الزجاجة، والدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء أكد أيضاً نفس المعنى، إضافة إلى أن الواقع يؤكد ذلك، فى ظل رؤية صحيحة ثبت جدواها فى مواجهة ظروف وتحديات بالغة التعقيد، وتوجيه الرئيس السيسى المباشر والمتواصل أن ينعكس ذلك على المواطنين بتخفيف الأعباء عنهم والاهتمام بالصحة والتعليم، والحماية الاجتماعية.
الرئيس السيسى خلال اجتماعه برئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى وأحمد كجوك وزير المالية، اطلع على المؤشرات الأولية للأداء المالى لعام 2025-2024 والذى شهد مؤشرات متميزة وجيدة ومتوازنة وتم تحقيق أعلى قيمة فائض أولى بلغت 629 مليار جنيه بمعدل 3.6 ٪ من إجمالى الناتج المحلى وبزيادة قدرها 80 ٪ مقارنة بالعام المالى الماضى رغم تعرض الموازنة المالية لصدمات أبرزها الانخفاض الحاد فى إيرادات قناة السويس بنسبة 60 ٪ عن المستهدف.
الوزير أحمد كجوك أكد أن هذا الأداء المالى المتميز جاء مصاحباً لتحسن كبير فى كافة المؤشرات الاقتصادية وارتفاع كبير فى حجم الاستثمارات الخاصة ونشاط التصنيع والتصدير، وهو ما يشير إلى أهمية مواصلة الجهود، وتنفيذ الرؤية الرئاسية لتحقيق مزيد من النجاح.
هدفى من السطور السابقة هو التأكيد على تجاوز مصر للأزمة الاقتصادية بقدر كبير، وأن هناك حالة تعافى وتحسن فى المؤشرات متدرجة، وهذا شىء إيجابى، النقطة الثانية وهى كيف يعود ذلك أو ينعكس على المواطنين الذين ينسب لهم فضل كبير فى الوعى والقدرة على التحمل والصبر على تداعيات الأزمات والصراعات والتحديات الإقليمية والدولية، وأنهم اختاروا الاستقرار والاصطفاف، لأنه يمثل القوة الدافعة والأرض الخصبة، للعبور وتحقيق النجاح.
الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء بادر على الفور بالاجتماع برؤساء الغرف التجارية لترجمة هذا النجاح والتعافى وعبور وتجاوز الأزمة الاقتصادية وصعود الجنيه المصرى أمام الدولار، بل وتوفره بشكل جيد، واستمرار التدفقات الدولارية عبر وسائل مختلفة سواء بزيادة معدلات التصدير والاستثمارات، وتحويلات المصريين فى الخارج والسياحة إلى واقع يستفيد منه المواطنون خاصة فى تراجع وانخفاض الأسعار التى باتت تشكل هاجساً أمام المواطنين، وربما لا يجدون منطقاً أو أسباباً موضوعية وواقعية لهذه الأسعار وإن كان هناك تراجع لكنه لا يتسق مع النجاح الاقتصادى الذى حققته الدولة المصرية والواقع يشهد بذلك، خاصة فى الأسماك والفواكه، والأدوية، وسلع أخرى، وهنا أعنى أن حجم التراجع فى الأسعار لا يتماشى مع المؤشرات الاقتصادية الإيجابية.
مبادرة خفض الأسعار التى طرحها رئيس الوزراء فى اجتماعه مع رؤساء الغرف التجارية بادرة طيبة تستنهض الروح الوطنية، وتدعم الجبهة الداخلية التى هى العمود الفقرى لمساندة الوطن وأمنه واستقراره فى ظل ما يواجه مصر من تحديات وتهديدات ومخططات «صهيو – إقليمية» جميعاً ندرك ونعى تفاصيلها لأنها باتت واقعاً معلناً، لا يخفى على أحد، لذلك أرى أن تخفيف المعاناة عن المواطنين قضية أمن قومى، تسمح للوعى والفهم بالنفاذ وترسخ الاصطفاف وتترجم النجاح الاقتصادى إلى واقع يلمسه المواطن، ولا اختلف مع أن هذه المبادرة طيبة فى نواياها وأهدافها ومقاصدها ولا اختلف عليها على الإطلاق، لكننى أرى أنها تأتى بعد إيجاد نظام أو آلية أو منظومة، تضبط الأسعار مع معطيات السوق والظروف الاقتصادية سواء بالزيادة أو الخفض أى اننى أتحدث عن سيستم (System)، وليس فقط مبادرة أو استلهام الروح الوطنية، المهم وجود عمل مؤسسى رادع وضابط وحاكم، يسيطر على قضية الأسعار والارتفاع المتوحش لهوامش الأرباح التى تخالف المعدلات العالمية، ودعوت من قبل إلى قياس منطقية الأسعار فى مقالات سابقة، سواء الفواكه والخضراوات فى بلد يحقق معجزة زراعية، والسؤال: لماذا الارتفاع المبالغ فيه فى أسعار الفواكه، ولماذا بيعها بأكثر من سعر، ولك أن تتخيل أن سعر كيلو التين يصل إلى 100 جنيه فى بعض المناطق والمحال، ويقل فى مناطق أخرى، وفى ذات المنطقة هناك أكثر من سعر لكيلو الفاكهة، وهذا ينطبق على باقى الأنواع والخضراوات والفراخ واللحوم، والأسماك التى وصل سعر كيلو البلطى إلى أكثر من 100جنيه رغم أنه لا يتم استيراده وليس له علاقة بالدولار، ناهيك عن ارتفاع هوامش الربح فى الأجهزة الكهربائية والسيارات والسلع المعمرة الأخرى، وهل هى واقعية ودقيقة، ولماذا المبالغة فى هوامش الربح إلى أكثر من 50 ٪ أحياناً بما يفوق المعدلات العالمية التى لا تتجاوز 10 ٪.
أبحث عن منظومة تعمل تلقائياً، أو برقابة صارمة، وضبط لإيقاع الأسعار وفقاً لمعطيات حقيقية ومنطقية لطبيعة السوق لا يتحكم فيها أشخاص بعينهم أو تتم بشكل عشوائى وارتجالى، أو بالمزاج، والمشكلة أن ضمير بعض التجار «بعافية» بما يعنى أن هناك أزمة ضمير، وجشع ومغالاة هى السبب الحقيقى وراء ارتفاع الأسعار.
استمعت إلى مداخلة تليفزيونية حيث سألت المذيعة أحد رؤساء الغرف التجارية، متى تنخفض الأسعار، وهذا كان عقب لقاء الدكتور مصطفى مدبولى برؤساء الغرف التجارية، وأجاب رئيس إحدى الغرف التجارية: ليس قبل 3 أو 4 أشهر بعد انتهاء دورة الاستيراد التى تباع على أساسها السلع فى الفترة الحالية، أنا اتفق معه تماماً، ولكن اسأله عندما ارتفعت الأسعار هل انتظرت انتهاء المعروض من السلع والموجود فى الأسواق بالأسعار القديمة وبإنتاج قديم حتى ترفع الأسعار؟! أم أن ا لجميع بادر بزيادة الأسعار فى الساعات التالية للزيادات، وقامت الصيدليات والتى لديها مئات الكراتين من أصناف الأدوية بإزالة السعر القديم ووضع «تيكت» لاصق على علبة الدواء بسعره الجديد، لماذا تنتظرون خفض الأسعار بعد انتهاء بيع المنتجات المستوردة منذ شهور وأن الانخفاض سيبدأ بعد 3 أو 4 أشهر ولم تنتظروا عند زيادة أو رفع الأسعار لمنتجات تم إنتاجها منذ شهور بالتكلفة القديمة، وماذا عن موقف السلع المصنعة محلياً.. فى ألمانيا على سبيل المثال، وجدت منتجاً واحد بسعرين، الأول منخفض والثانى مرتفع.. سألت البائع، هل هناك فرق، وما سبب الاختلاف.. اخبرنى أن السعر المنخفض لنفس السلعة إنتاج قديم قبل زيادة الأسعار، وأن ذات السلعة بالسعر المرتفع من الإنتاج الجديد.. هذا هو الانضباط والضمير والأخلاق التى نحن أساسها وفى حاجة إلى عودتها مرة أخرى، ولابد للتوعية الدينية أن تساهم فى بناء الضمير الحى، وتؤكد أن الاستغلال حرام شرعاً.
نحتاج إلى منظومة، وعمل مؤسسى وآلية ونظام يتعامل مع ضبط الأسعار حتى لو كانت فى غير صالح المواطن والمستهلك، المهم أن تكون واقعية وترجمة حقيقية للنجاح الاقتصادى الذى تحقق بفضل الرؤية الرئاسية، والحقيقة أن المبادرات شىء جيد لكن المنظومة أفضل بكثير، ليس فيها خواطر وقيمة المبادرات لخفض الأسعار تأتى بعد ثمار المنظومة.