إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ليست مجرد وهم طارئ أو شعار سياسى عابر، بل هى خرافة قديمة وُلدت مع المشروع الصهيونى منذ المؤتمر الأول فى بازل أواخر القرن التاسع عشر. خرافة تقوم على تفسيرات دينية متطرفة وفكر استيطانى توسعى، وتظهر فى كل مرة تظن فيها إسرائيل أنها بلغت قمة قوتها. واليوم، يبدو أن بنيامين نتنياهو وجد اللحظة التى يعتقد أنها الأنسب لإعادة إخراج هذه الخرافة من الأدراج، بعد حرب دامية على غزة، ودعم أمريكى مفتوح، وصمت عالمى يثير الدهشة والمرارة.
تحاول إسرائيل تسويق نفسها كضحية، وروجت دعايتها حول «إرهاب حماس» و«استخدام المدنيين كدروع بشرية»، بينما صارت الأرقام الصادمة عن القتلى فى غزة مجرد بيانات مشكوك فيها عند الغرب، واعتُبرت شهادات الفلسطينيين والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مجرد روايات منحازة. العالم صدّق دموع إسرائيل المصطنعة، وتجاهل جثث الأطفال تحت الركام، وصور الإبادة الجماعية التى تبثها الكاميرات كل يوم.. هذه المعركة الإعلامية المضللة لم تكن مجرد صدفة، بل جزء من استراتيجية متكاملة، غطّت على حقيقة أبشع: أن ما يجرى فى غزة ليس حربًا عادية، بل مشروع تهجير وتجويع وتدمير يهدف إلى إفراغ الأرض من شعبها. وفى الضفة، لم يكتفِ اليمين الإسرائيلى بمزيد من القمع، بل أعلن وزير المالية عن إدخال مليون مستوطن جديد، وهو تصريح لا يُفهم إلا باعتباره دفنًا رسميًا لأى فكرة لدولة فلسطينية مستقلة.
نتنياهو يطرح أوهامه فى العلن، متحدثًا عن «إسرائيل الكبرى» وكأنها أمر واقع، ويبيع للعالم صورة زائفة عن إمكانية السلام فى المنطقة إذا ما قبل العرب بخرائط جديدة تضم أراضى من مصر والسعودية وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين. لكن هذا الطرح ليس سياسة تفاوض أو تطبيع، بل احتلال صريح يهدد سيادة الدول العربية بأسرها.
العرب بدورهم لم يصمتوا، فقد كان الموقف واضحًا بالرفض والإدانة. فمصر التى قاتلت من أجــل كيلومتر واحد فى طابا لن تتنازل عن شبر، والدول العربيــة الأخرى ليست مستعدة لمنح أراضٍ أو التفريط فى سيادتها. إن مشروع إسرائيل الكبرى فى جوهره ليس ضد الفلسطينيين وحدهم، بل ضد المنطقة كلها، أرضًا ووجودًا وهوية.