فى غضون عام 2008 كان المشهد حزيناً وهذا الرجل الخمسينى يقف فى قفص الاتهام وسط مجموعة من معتادى الإجرام الذين تركت جرائمهم علامات على وجوههم فى حين وقف هو مستكيناً لا يستطيع إيقاف دموعه التى أنهالت كشلال جارف معبرة عن عجزه عن الخروج من القضية التى تورط فيها.
الرجل كان يعمل كحارس عقار على إحدى البنايات بمنطقة وسط القاهرة وبينما كان يجلس على مقعده وقت العصارى هبت نسمة هواء نجحت فى تحريك أشجار المانجو بالفيلا المجاورة لتتسلل رائحتها الطيبة إلى أنفه محركة حواسه ليعتلى سور الفيلا محاولاً التقاط بعض الثمار والتهامها إلا أن حظه العثر جعل صاحب المكان يخرج من الباب فى نفس التوقيت ليشاهد هذا الغريب الذى اقتحم فيلته وترتفع صرخاته للاستغاثة.. وعلى أثر صرخات العجوز هرع الجميع للإمساك باللص وتسليمه للشرطة ليقدم للنيابة ويحال للمحاكمة محبوساً بتهمة السرقة وسط فضيحة لصقت به وباتت فى سجله لنهاية العمر جريمة لا تمحى لذا لم يجد أمامه غير البكاء على ما أوقع نفسه فيه.
لحظات واعتلى رئيس الدائرة منصة العدالة ليبدأ فى مناظرة القضايا المعروضة عليه حتى جاء الدور على قضية السرقة المتهم فيها هذا الرجل وبسؤاله عن ارتكاب الجريمة لم يستطع الإنكار وأقر بها وبسؤاله عن سبب ارتكابها جاءت إجابته بعبارة « ريحة المانجا كانت حلوة وكان نفسى فى واحدة « ليدخل فى نوبة بكاء لم يملك أحد إخراجه منها وهنا تدخل رئيس المحكمة وكان وقتها المستشار خالد مصباح ليسأل عن بداية حبسه لتأتى إجابة الحرس منذ أسبوع فيصدر الحكم بحبسه أسبوعاً ليتم إخلاء سبيله عقب إنتهاء الجلسة بعد أن لجأ رئيس المحكمة لروح القانون وليس القانون فى التعامل مع هذا اللص المسكين.
تذكرت هذه وأنا أتابع تصريحات السيد شريف فتحى وزير السياحة بشأن واقعة الشاب عبد الرحمن خالد والفيديو الترويجى الذى صممه بهدف الدعاية للمتحف المصرى الكبير والذى من المقرر افتتاحه نوفمبر المقبل.
لا أعرف عبدالرحمن ولا أعرف دوافعه ولا جدال أن ما فعله تجاوزاً صارخاً على حقوق الملكية الفكرية ويخرج عن حدود الإبداع لكن التعامل معه على اعتباره متهماً وإلقاء القبض عليه واحتجازه فى قسم الشرطة أمر يفتقر للحكمة.
تصرف عبدالرحمن خاطئ بلا شك لكن التعامل معه على أنه جريمة بالمعنى التقليدى للجريمة أمر يجب ألا يصدر من مسئول وكان يمكن التعامل مع الأمر باستدعائه وجعله يقدم إعتذراًللرأى العام عما بدر منه من تصرف غير مسئول.
ما حدث مع عبد الرحمن أعاد لذاكرتى أيضا ما فعله اللواء عادل محيى الدين فى عام 2005 وكان وقتها مدير مباحث جرائم الإنترنت حيال واقعة اختراق موقع إحدى الصحف الكبرى وكشف الفحص أن المتهم طفل يبلغ من العمر عشر سنوات وفعل ذلك على سبيل إثبات الذات نظراً لما يمتلكه من إمكانيات فى التعامل مع التكنولوجيا.. وقتها لم يتم التعامل مع الطفل كمتهم وتمت الاستعانة به من قبل الإدارة فى فحص العديد من القضايا فيما بعد..أخيراً ليست كل الجرائم يجب أن يحاسب أصحابها بالقانون ولكن دائماً ما تكون روح القانون مطلوبة من المسئول.