إجادة اللغة لا يعنى أبدًا إتقان الترجمة التى تحتاج تدعيمًا وممارسة
حصول «مويان» على «نوبل» لفت انتباه القارئ العربى للأدب الصينى
دعم المؤسسات العامة والخاصة لحركة الترجمة عن الصينية مازال ضعيفًا
حصل المترجم المصرى يحيى مختار على «جائزة الصين للإسهام المتميز» عن مجمل الأعمال التى ترجمها من اللغة الصينية إلى العربية. وهى أرفع جائزة دولية تمنحها الحكومة الصينية للأجانب المتخصصين فى مجال الترجمة والتأليف والنشر وأقيمت فى المناسبة حفلة فى قصر ضيافة الدولة فى بيجينغ.
د. يحيى مختار حاصل على الماجستير والدكتوراة فى الأدب العالمى والأدب المقارن باللغة الصينية من جامعة بيجينغ للغات والثقافة، مدرس الأدب الصينى والترجمة فى جامعة السويس، حصد من قبل العديد من الجوائز منها جائزة أفضل كتاب مترجم من وزارة الثقافة والمركز القومى للترجمة ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2022، عن موسوعة «اقتصاديات دول ومناطق الحزام والطريق»، وجائزة وانغ تزنغ تشى للكتابة الأدبية باللغة الصينية عام 2018، وجائزة الطالب المتميز من المجلس الوطنى الصينى للمنح الدراسية عام 2018، له 35 كتاباً مترجماً من الصينية إلى العربية منها: « كتاب «تأثير الثقافة الشرقية على النهضة الأوروبية فى العصر الحديث، رواية «بكين – بكين»، رواية «1942»، ديوان «الحصان الأسود»، «لقاء فى بيجينغ»، «الصين فى المقدمة»، «علم الجمال الأيكولوجى فى الصين – النشأة والحاضر»، رواية «بعد النهاية»، رواية «طلاق على الطريقة الصينية» ورواية «رحلة إلى الشمال» وغيرها.
> فى البداية أحب أن نلقى الضوء على مسيرتك العلمية، سبب اختيارك لدراسة اللغة الصينية، كيف بدأ الأمر من جامعة السويس . ثم زيارتك الصين للإقامة والدراسة .. حدثنا عن هذه الرحلة؟
>> الحقيقة هى أن موضوع دراستى للغة الصينية لم يكن اختيارا، بل جاء بمحض الصدفة، حيث وجدت اسمى مدرجاً ضمن قائمة قسم اللغة الصينية فى الجامعة، ولم تكن اللغة الصينية رائجة فى سوق العمل كما هو الحال الآن، فحاولت عدة مرات الالتحاق بقسم آخر، لكن محاولاتى لم تفلح، واضطررت فى النهاية إلى الاستمرار فى دراستها، لكن بعد فترة من الوقت، وبمزيد من الجهد أدركت أنها ليست بالصعوبة التى كنت أتخيلها، بل على العكس صرت مغرما برموزها المعقدة وتفاصيلها الغريبة وغموضها، لذلك أقول دوما أننى لم أختر اللغة الصينية، بل هى التى اختارتني. بعد التخرج نجحت فى اجتياز امتحان المستوى السادس لقياس مستوى اللغة الصينية، وهو أعلى مستوى فى اللغة، وكنت أول مصرى يجتاز هذا الامتحان، ثم نجحت فى الحصول على منحة لدراسة الماجستير بجامعة بكين للغات والثقافة بالصين، وبعدها حصلت على منحة لدراسة الدكتوراة بنفس الجامعة.
> حصدت جائزة «الصين للإسهام المتميز فى مجال الكتاب» وهى جائزة رفيعة ومهمة جدا ، كيف جاء ترشحك للجائزة، وما المؤسسات الصينية التى تدعم هذه الجائزة؟
> > جائزة الصين للإسهام المتميز فى مجال الكتاب هى أرفع جائزة تمنحها الحكومة الصينية للمترجمين والكتاب والناشرين على مستوى العالم، وقد انطلقت هذه الجائزة فى عام 2005 وبلغ عدد الحاصلين عليها إلى الآن 215 على مستوى العالم، تقدمت للترشح لهذه الجائزة خمس مرات من بعد حصولى على الدكتوراة، وكان رصيدى من الكتب المترجمة حينها حوالى 20 كتابا، وبالفعل وصلت إلى القائمة القصيرة آخر دورتين، ونجحت فى الحصول عليها هذه الدورة أخيرا. أما بخصوص الترشح للجائزة فيكون بتزكية من الملحقية الثقافية بسفارة الصين بالقاهرة، وأيضاً بترشيح واحدة من دور النشر الصينية، وتمنح هذه الجائزة من وزارة الدعاية الصينية حيث سلمها لى هذه الدورة من السيد الوزير «لى شو ليي» وزير الدعاية وعضو المكتب السياسى للجنة المركزية بالحزب الشيوعى الصيني.
إتقان اللغة غير كاف
> وعن الترجمة، هل الإلمام باللغة وإتقانها يكفى المترجم ليقدم عملا جيدا؟
>> بالطبع الإلمام باللغة وإتقانها غير كاف للمترجم كى يقدم عملا جيدا، فهناك الكثير ممن يتقنون اللغة لكنهم لا يجيدون الترجمة، بل على العكس هناك من يقول بأن إتقان اللغة لا يعنى أبداً إتقان الترجمة، وفى رأيى أن الترجمة هى فن بالأساس، تدعمه الدراسة وتصقله الممارسة، وبدون الممارسة الدائمة والتعرض للنصوص المختلفة مثل النصوص الصحفية والسياسية والعلمية والاقتصادية والقانونية والأدبية فلن ينجح المترجم فى الوصول إلى المستوى الذى يجعل منه مترجماً محترفاً.
> اختبرت الترجمة الأدبية والترجمة لأعمال غير أدبية أيهما بالنسبة لك أكثر متعة وأيها أصعب؟
>> نعم هناك اختلاف كبير بين الترجمة الأدبية وغير الأدبية، وبالنسبة لى تعد الترجمة الأدبية هى الأصعب والأكثر متعة فى نفس الوقت، أقول بأنها الأصعب لأنها هى قمة هرم الترجمة، حيث لا يمكن للمترجم أن يمارس الترجمة الأدبية إلا بعدما يمارس العديد من أنواع الترجمة الأخرى لفترة طويلة، فهى نتاج لتراكم الخبرات لدى المترجم. أما كونها أكثر متعة، فالسبب يعود إلى كونها تمثل تحديا للمترجم، واختبار لقدراته ومهاراته، ليس على المترجم أن يجتازه فحسب، بل لا بد أن يتفوق فيه المترجم على نفسه.
طريقة الاختيار
– ما الطريقة التى تختار بها الكتب للترجمة؟
فى الحقيقة، وعلى خلاف المعمول به فى الكثير من اللغات الأخري، فمساحة اختيارنا للأعمال التى نترجمها من الصينية إلى اللغة العربية محدودة للغاية بسبب الكثير من العوامل، أهمها عدم الانتشار الكافى للأدب الصينى مقارنة بالأدب اللاتينى أو الروسى مثلاً أو حتى آداب شرق آسيا مثل الأدب اليابانى والكوري، وبالتالى لايزال الإقبال عليه ضعيفا من الناحية التجارية، الأمر الذى يجعلنا نعمل فى معظم الأحيان وفق مشاريع لدعم الترجمة جهات صينية فى الأغلب، وبالتالى نكون مقيدين بالاختيار ضمن قوائم الكتب المدرجة ضمن هذه المشاريع.
> هل إعجابك بكاتب معين بشكل شخصى يجعلك تسعى لترجمة أكثر من عمل له مثل «ليو جين يون» ؟
>> نعم هذا صحيح، ولكن هناك عوامل أخرى كثيرة، فهناك كاتب قد أكون معجبا به بشكل شخصي، ولكن معظم أعماله قد تكون تُرجمت بالفعل، وبالتالى تكون مساحة الاختيار محدودة للغاية وهذا ما حدث مع الكاتب الكبير يو هوا، وفى حالات أخرى يكون من الصعب الحصول على حقوق النشر من هذا الكاتب بسبب احتكارها من طرف معين، وهذا ما حدث مع الروائى مويان الحاصل على جائزة نوبل للآداب.
> هل تحتاج للتواصل مع الكاتب قبل وأثناء الترجمة أم تكتفى بالنص الأدبي؟
>> أعتقد أن الحرص على التواصل المباشر مع المؤلفين هو أحد العوامل المهمة التى تساعد على إخراج العمل المترجم فى أفضل صورة ممكنة، فأحيانا قد يواجه المترجم بعض العوائق أو الاستفسارات التى يحتاج سؤال الكاتب عنها، وأحيانا قد يضطر المترجم إلى إجراء بعض التعديلات الطفيفة على النص بما فى ذلك الشروحات أو الحذف أو الإضافة بما يتوافق مع ذائقة القارئ العربي، وفى مثل هذه الحالات يتعين على المترجم أن يحصل على الإذن من الكاتب لإجراء هذه التعديلات.
بين العربية والصينية
> الجسر بين الثقافة العربية والصينية يعتبر حديثاً نسبياً ما السبب، وما أسباب رواج الأدب الصينى لدى القارئ العربى حالياً، وهل فوز «مويان « بنوبل له دور فى ذلك؟
>> السبب فى كون الجسر بين الثقافة العربية والصينية حديث نسبياً يعود إلى عوامل كثيرة، منها أن تاريخ تدريس اللغة الصينية فى مصر يعتبر حديث نسبياً مقارنة بالكثير من اللغات الأخري، كما أن الصين ظلت منغلقة على نفسها ثقافياً لفترة طويلة فى الماضي، حيث كان الاهتمام الأكبر منصباً على التنمية الاقتصادية والصناعية، أما عن أسباب رواج الأدب الصينى لدى القارئ العربى حاليا فيعود إلى اهتمام الصين بالانتشار الثقافى بعدما حققت نهضة صناعية واقتصادية كبيرة، ومنها أيضا الزيادة المطردة فى أعدد المترجمين عن اللغة الصينية من الخريجين والأكاديميين، ويعد نجاح بعض الروايات الصينية المترجمة فى تحقيق انتشار نسبى لدى القراء العرب سبباً آخر، وبالطبع كان فوز الروائى الصينى «مويان» بجائزة نوبل للآداب سببا مهما فى لفت انتباه القارئ العربى للأدب الصيني.
> من خلال إطلاعى على عدد من الروايات الصينينة لكتّاب مختلفين لاحظت تركيزهم على الحكايات عن الريف والشخصيات التى تعمل بحرف البيئة المحيطة به لماذا ذلك؟
>> الكتاب الصينيون هم أبناء بيئتهم، ويتأثرون بها إلى حد كبير، كما أنه مع ظهور التيارات الأدبية الحديثة فى الصين نشأ هناك ما يعرف بـ «الأدب الريفي» و»أدب البحث عن الجذور» و»أدب الجراج» وكلها تندرج تحت مضمون الكتابة عن الحنين إلى مسقط الرأس وذكريات الطفولة، أضف إلى ذلك أن الريف الصينى غنى بالحكايات المحلية التى قد تكون مادة دسمة للكاتب يبنى عليها رواياته.
> هناك سمة أيضاً غالباً على الأدب الصينى «خفة الظل» والسخرية مهما كانت المأساة والمفارقات التى يتعرض لها الأبطال مثل رواية «طلاق على الطريقة الصينية « أو «الثور» لمويان وبما أن الأدب مرآة للواقع فهل يتسم الشعب الصينى بهذه السمات؟
>> لا أعتقد أن هذه سمة غالبة فى الأدب الصيني، فهناك أيضاً الكثير من الأعمال الغارقة فى التراجيديا والمأساوية، وهناك الكثير ممن يُعرفون بكتاباتهم ضمن هذا الإطار، كما أنه لا يمكن تعميم كون الشعب الصينى يتمتع بخفة الظل مهما كانت المأساة، ولكن أعتقد أن «خفة الظل» وسط المأساة هى نوع من فلسفة الكتابة التى ينتهجها بعض الكتاب فى محاولتهم لرسم بعض الوقائع المريرة بطابع ساخر، وهو ما يطلق عليه أيضا اسم «الكوميديا السوداء».
> ذكرت أن «بكين بكين « لم يكن الاسم الأصلى للرواية وكذلك ترجم عنوان رواية «طلاق على الطريقة الصينية» بأكثر من عنوان فهل تؤثر ثقافة وتقاليد اللغة المترجم لها العمل الأصلى فى عمل المترجم؟
>> الاسم الأصلى لرواية «بكين بكين» هو «الركض حول تشونغقوانتسون»، والاسم يبدو غريباً وصعباً للغاية على القارئ العربي، و»تشونغقوانتسون» هى منطقة شهيرة فى العاصمة بكين، وسبب شهرتها هو أنها مركز صناعة البرمجيات والحواسيب، وهى أشبه بوادى السيليكون فى الولايات المتحدة. لكنها غير معروفة لدى القارئ العربي، وبالتالى لجأت إلى تغيير العنوان ليعبر عن العاصمة بكين بأكملها.
أما رواية «طلاق على الطريقة الصينية» فاسمها الأصلى «أنا لست بان جين ليان» وهو اسم لامرأة مشهورة فى التراث الصينى بأنها رمز للخيانة، ولكن خلفية هذا الاسم بعيدة تماماً عن ثقافة القارئ العربي، لذلك لجأنا إلى تغيير الاسم بما يتماشى مع أحداث القصة، ليكون أكثر جذباً.
بالطبع هناك أيضا أسباب تجارية تخص الناشر، كما أن هذا النوع من التصرف فى العناوين يتم بالتشاور مع الكاتب.
> حدثنا عن كتاب «غير أدبي» قمت بترجمته ورأيت إنه أثر بك بشكل شخصي؟
>> هناك الكثير من الأعمال غير الأدبية، لا أذكر منها عملاً محدداً، لكن بعضها ترك لدى ذكرى سعيدة مثل كتاب «اقتصاديات دول ومناطق الحزام والطريق – دراسة مقارنة» الذى حاز على جائزة أفضل كتاب مترجم من وزارة الثقافة والمركز القومى للترجمة بمعرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2022.
> وأديب ترجمت له وقابلته وشعرت بتميزه الأدبى والإنساني؟
>> الكاتب شيو تسى تشن من أقرب الكتاب لي، تجمعنا علاقة تعود إلى أكثر من عشر سنوات، والتقيت به فى العديد من الدول منها مصر والصين والإمارات والسعودية والمغرب والجزائر، كما ترجمت له عدد كبير من الأعمال منها رائعته «رحلة إلى الشمال» التى حازت على جائزة «ماودون» وهى الجائزة الأدبية الأرفع فى الصين، ومنها أيضاً ثلاثية بكين وهى «بكين بكين»، و»لقاء فى بكين»، و»حكايات من ضاحية بكين الغربية».
> ما الدور الذى تقوم به المؤسسات الثقافية المصرية الحكومية والخاصة بشأن التعاون الثقافى بين مصر والصين ودعم حركة الترجمة؟
>> للأسف يعد دور المؤسسات الثقافية المصرية الحكومية والخاصة فى دعم حركة الترجمة بين مصر والصين ضعيفاً للغاية، ويقتصر على بعض المشروعات المحدودة من بعض الجهات الحكومية مثل المركز القومى للترجمة، كما أن هناك بعض المؤسسات الخاصة على رأسها مجموعة بيت الحكمة للثقافة التى تنشط فى الحصول على حقوق ودعم العديد من الكتب والأعمال الأدبية والصينية ونشرها فى مصر والوطن العربي.
> شاركت فى أكثر من عمل مشترك للترجمة مع مترجمين آخرين، كيف يتم ذلك بحيث لا يصبح هناك فرق واضح فى اللغة والأسلوب داخل الكتاب الواحد؟
>> بالنسبة للأعمال غير الأدبية يكون الأمر سهلاً بعض الشيء، حيث إن الفارق فى اللغة والأسلوب فيها لا يمثل مشكلة كبيرة، وقد شاركت فى عدد من هذه الأعمال مع بعض الزملاء مثل كتاب «دنغ شياوبينغ» بالمشاركة مع الدكتور أحمد ظريف، وكتاب «اقتصاديات دول ومناطق الحزام والطريق» مع الزميلتين إسراء صابر وآية فؤاد. أما الأعمال الأدبية فالأمر يتطلب توحيد صارم فى اللغة والأسلوب، لذلك من الضرورى الحرص فى اختيار المترجم المشارك، وأن يكون هناك تشابه مسبق فى الأسلوب، وأن يكون هناك أعمال مشتركة سابقة، وأيضاً مراعاة ألا يشارك فى العمل الواحد أكثر من اثنين أو ثلاثة من المترجمين، وأن يكونوا ممن لهم باع طويل فى الترجمة، كما يتطلب الأمر وجود تواصل ومشاورات دائمة بينهم خلال عملية الترجمة والتحرير النهائي، وبالفعل حدث ذلك مع زميل واحد هو الدكتور أحمد السعيد فى عملين أدبيين هما «طلاق على الطريقة الصينية»، و»تاريخ آخر للضحك»، وكلاهما لنفس الكاتب ليو جين يون.