اليقين فى ثوب الحقيقة يؤكد أن أى عمل يتطلع إلى النجاح، لا بد – بل من الحتمى – أن يستند إلى دراسة وخطة ومنهج واضح لتحقيق هدف نبيل. والحديث هنا يتمحور حول ماهية العمل الثقافى والمنتج الفني، سواء كان كتابًا منشورًا أو عملاً مسرحيًا أو سينمائيًا أو غنائيًا أو أى شكل من الأشكال الاحتفالية.
لعل البداية أن لدينا بالفعل إنتاجًا وفعاليات وأروقة وندوات ومؤتمرات ومهرجانات. غير أن الإشكالية تكمن فى أن كثيرًا من هذه الفعاليات تتزامن أو تتقارب فى التوقيت والجهد والنتائج. وبطبيعة الحال، فإن هذه الفعاليات تلتهم ميزانيات ضخمة، وأحيانًا يشوبها قدر من الإسراف، فتذهب النتائج – مع غياب الخطة أو المنهج – أدراج الرياح، رغم جودة المنتج أحيانًا. والخلل ليس فى الطرح أو فى طبيعة الإنتاج ذاته، وإنما فى منهجية وخطة العرض والتقديم.
الأمثلة عديدة، فعلى سبيل المثال، كان فى الماضى للمسرح مواسم واضحة، صيفية وشتوية، وكذلك للسينما. أما اليوم فقد اختفت هذه المواسم، وأصبحت الأعمال الفنية تُعرض دون نظام أو تخطيط؛ فكل من يجهز عمله يسارع إلى عرضه دون التقيد بموسم محدد. والناظر للوضع الحالى يجد أنه لا توجد عروض فنية تُنسب إلى مواسم بعينها.
السبب الحقيقى لذلك هو غياب التنسيق. فنرى المهرجانات المسرحية تأتى تباعًا فى قلب الموسم الصيفي، إلى جانب مهرجانات أخري، سواء كانت رسمية أو أهلية أو مستقلة أو للهواة. والنتيجة أن نفس العروض تُشارك فى جميع المهرجانات، فى ظل غياب فلسفة وهوية واضحة لكل مهرجان من حيث الطابع والهدف.
الحل هنا بسيط: الحفاظ على المواسم الفنية وأوقاتها خلال العام الثقافي، مع الاستفادة من الفترات «الميتة» – أى الأوقات التى تسبق الصيف أو الشتاء – حيث تُجرى البروفات والتحضيرات للإنتاجات الجديدة. هذه الفترات معروفة للجميع، ويمكن استغلالها لإقامة المهرجانات، بدلاً من التزاحم والتكرار.
تبرز إشكالية أخرى أكثر أهمية، وهى ضرورة التنسيق بين وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالي، بحيث تنتهى الامتحانات والنتائج قبل بدء الموسم الصيفي، ليبدأ مع نهاية يونيو أو منتصف يوليو على الأكثر. بذلك تصبح العطلة الصيفية متناغمة مع الحركة الفنية والثقافية.
نحن بحاجة إلى تحقيق هذا التوازن المنشود، ولن يتحقق إلا عبر التنسيق ووضع خطط مسبقة ومنهج واضح للمنتج الثقافى والفنى المراد تقديمه، سواء كان مسرحًا أو سينما أو غناءً أو احتفاليات، ويشمل ذلك الندوات والمؤتمرات، والأهم المهرجانات النوعية التى تتطلب تحديد توقيتها بدقة، مع مراعاة المهرجانات الدولية والمشاركات الخارجية باسم مصر.
هنا يصبح الاعتماد على الجودة والقيمة والمعنى أمرًا حتميًا، لأن المشاركة تكون باسم الوطن. ولنا فى تاريخنا أمثلة مشرقة، سواء فى المسرح أو الغناء أو الفنون الشعبية والاستعراضية من خلال فرقتى «رضا» و»القومية»، وحتى فى السينما، حيث ما زال للفيلم المصرى حضوره العربى والدولي.
إن هذا الطرح يجعل من الضرورى أن نولى اهتمامًا خاصًا بجودة المنتج الثقافى والفني، لضمان استمرار وجودنا وعدم غيابه طويلاً، فنحن أصحاب الريادة والتميز. كما أن التبادل الثقافى والفنى مع مختلف دول العالم يجب أن يكون محور اهتمام، مع تفعيل دور الأكاديمية المصرية بروما فى إيطاليا، التى أراها متحفًا مفتوحًا بكل ما تحمله الكلمة من معني.
بروح الفريق، وبخطط واضحة ومناهج مدروسة، يمكننا أن نحقق التوازن المطلوب فى هذه المرحلة المهمة، لضمان الوصول إلى جميع الأهداف المرجوة والنتائج الإيجابية.
لعل وعسى…