أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة تلفزيونية مؤخرًا مع قناة «i24» الإسرائيلية، تصريحات لا تخلو من التلميحات العدائية حين قال: «إنني في مهمة تاريخية وروحانية ومرتبط عاطفيا برؤية إسرائيل الكبري.. كلام مستفز أعاد إلي الواجهة ملف الأطماع الإسرائيلية التوسعية في الأراضي العربية وأوهام الصهاينة الأوائل حول «إسرائيل الكبري من النيل للفرات» وفقًا للمزاعم التوراتية والتي تشمل حسب تصورهم الاستعماري احتلال أجزاء من مصر والأردن وسوريا ولبنان، بجانب الضفة الغربية والقدس.
ليست هذه المرة الأولي التي يطلق فيها نتنياهو هكذا تصريحات، فمنذ بدأت الحرب في غزة وهو يردد «نحن نغير الشرق الأوسط»، وما يسمي»حلم إسرائيل الكبري» هو نفسه مشروع نتنياهو لـ «الشرق الأوسط الجديد»، والذي كان أول من ردده شيمون بيريز في كتابه منتصف التسعينيات في سياق حديثة عن «سوق شرق أوسطية مشتركة»، شرق أوسط جديد تتمركز فيه إسرائيل ليس عبر احتلال عسكري مباشر، بل عبر سيطرة ثلاثية الأبعاد: سياسية وعسكرية واقتصادية، ومن وقت لآخر يغازل اليمين المتطرف أملاً في بقائه السياسي بعد فشلة الكبير في غزة وللتغطية علي جرائمة والقضايا التي لتلاحقه في الداخل والخارج، سواء بتهم الفساد داخليًا أو بتهم الإبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الدولية.
نتنياهو لم يقل هذا الكلام علي سبيل الصدفة أوتفاجأ بالسؤال وأجاب بعفوية وإنما هو كلام معد له والمقابلة بكاملها مرتبة وصُممت بعناية بهدف إرسال رسالة مقصودة وموجهة لكل من يعنيه الأمر في العالم العربي، صحيح أنه «لم يقل صراحة إنه سوف يحتل أجزاء من الأردن وفلسطين ومصر، لكنه لجأ إلي مصطلحات توراتية رمزية، يدرسونها للأطفال في المدارس ومن ثم فتفسير المصطلح مفهوم من دون شرح أو إشارة صريحة إلي أنه يقصد حدود «أرض الميعاد» التي تشمل هذه الدول.
ليس من قبيل الصدفة مثلاً أن يتم تسجيل اللقاء في مكتب نتنياهو وليس أحد ستوديوهات القناة، والمكان هنا يعطي رسمية للحديث، وليس من قبيل الصدفة أيضًا أن تظل الكاميرا موجَّهة علي لوحة معلقة بالمكتب فيها خريطة تشير إلي ما يسمونه «إسرائيل الكبري» وهي المناطق التي يحلم نتنياهو وتيارات اليمين المتطرف ببسط السيادة عليها، وليس من قبيل الصدفة أيضًا أن يدير الحوار مع نتنياهو المذيع شارون جال وهو يميني ونائب سابق بالكنيست، ثم يقوم الأخير في خطوة رمزية بإهداء نتنياهو قلادة تحمل خريطة «أرض الميعاد» بحدودها التوراتية، ويقول له «بابتسامة خبيثة»: لا أريد توريطك هذه هدية لزوجتك سارة,وأبدي نتنياهو إعجابه بالهدية، إنه سيناريو محكم.
الرسالة التي أراد نتنياهو توصيلها هي أنه وقادة اليمين المتطرف في إسرائيل لا يزال حيًا في أذهانهم حلم «إسرائيل الكبري» حتي وإن غيّروا أساليبهم وأدواتهم، لكن ما لم يحسبه نتنياهو أن طريقة تفكيره هو ويمينه المتطرف مكشوفة، بل إن تاريخ نتنياهو وتربيته وتأثره لمؤرخ اليميني المتطرف «بن صهيون ميليكوفسكي» كلها تجعله ورقة مكشوفة ومساعيه للهيمنة الإقليمية، وتكريس الرؤية الإسرائيلية علي دول المنطقة ليست أحلاماً توراتية، بل خطة عمل يجري تنفيذها خطوة، خطوة.
وزارة الخارجية المصرية بدورها ردت علي «هرطقات» نتنياهو ببيان رسمي شديد اللهجة معتبرة أن مثل هذه التصريحات تمثل توجهاً مرفوضاً يتنافي مع خيار السلام ويعكس إصراراً علي التصعيد وزعزعة الاستقرار في المنطقة، وطالبت الوزارة، وفقًا للبيان، الجانب الإسرائيلي بتقديم إيضاحات عاجلة حول هذه التصريحات، مؤكدة أن تبني مثل هذه الأطروحات يتعارض مع تطلعات الأطراف الإقليمية والدولية الساعية لتحقيق الأمن والسلام لجميع شعوب الشرق الأوسط، وشددت مصر علي أن السبيل الوحيد لإحلال السلام العادل والشامل يتمثل في العودة الجادة إلي طاولة المفاوضات، ووقف الحرب علي قطاع غزة، وصولاً إلي إقامة دولة فلسطينية مستقلة علي خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، استناداً إلي حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
في تصوري أن الرد كان وجوبيا وأثمّن سرعة وزارة الخارجية المصرية فيه وتفنيده، وهذا ما فعلته أيضًا معظم الدول العربية، فحتي لو كان نتنياهو «يهذي»؛ فهناك هذيان يستوجب الرد عليه، مصر دولة كبيرة ولديها جيش قوي يحميها، ولا تقبل بهذا الهراء الصهيوني، وسيادتها خط أحمر، وتستطيع أن تقطع الألسنة التي تستهدفها بسوء.