يخطئ من يظن أو يزعم ان الناس فى بلدى الآن مهتمون ومنشغلون بالانتخابات الحالية لمجلس الشيوخ أو انتخابات مجلس النواب القادمة، فأحاديث الناس فى شوارع القرية أو المدينة كثيرة ومتشعبة وناضجة، يتحدث الناس عن غزة والضفة الغربية وسوريا والسويداء والدروز والعلويين ولبنان وحزب الله وحسن نصرالله، لكنهم لا يتحدثون عن الانتخابات!!!، يتحدثون عن ليبيا والدبيبة وحفتر والغريانى والسودان وحميدتى والبرهان ولا يتحدثون عن الانتخابات، يتحدثون عن إسرائيل ونتنياهو وبن غفير وسموتريتش ولا يتحدثون عن الانتخابات يتحدثون عن ترامب وبوتين وتشى وماكرون وميلونى ولا يتحدثون عن الانتخابات، يتحدثون عن فتيات التيك توك ورواد السوشيال ميديا وبرامج التوك شو ولا يتحدثون عن الانتخابات، يتحدثون عن أحوالهم المعيشية وعن الأسعار والمرتبات والتأمين الصحى وأسعار الدواء ولا يتحدثون عن الانتخابات، يتحدثون عن قانون الإيجار وأثره التشريعى ويتساءلون هل تفى الدولة بوعودها الواردة فى القانون؟ ولا يتحدثون عن الانتخابات.. الناس يتحدثون عن التعليم والثانوية العامة والتنسيق والدروس الخصوصية والجامعات الخاصة ولا يتحدثون عن الانتخابات!!! وهنا أطرح أسئلة مجردة لا هوى فيها ولا غرض، لماذا أعرض الناس عن الاهتمام بالانتخابات والحديث عنها؟ لماذا شعر المواطن أنه لا يوجد رابط يربط بين اهتماماته الحياتية وشواغله اليومية والانتخابات ونتائجها؟ لماذا فقد المواطن الشغف الانتخابى الذى ميز البيئة السياسية المصرية عن غيرها من البيئات المشابهة؟ هناك حقائق قد تكون مزعجة للبعض وذكرها قد يكون أكثر ازعاجا، فالمواطن المصرى الطبيعى غير المسيس يشتكى من صعوبة الحياة وغلاء المعيشة وضيق ذات اليد، لكنه لا يوجّه شكواه لأى مسئول فى الدولة إلا للرئيس فقط ودون سواه، فالمواطن قد لا يرى الحكومة ولا الوزراء ولا مجلس النواب ولا مجلس الشيوخ ولا المحافظين ، فقط يرى الرئيس ويخاطبه مباشرة عبر منصات التواصل ويطالبه ويوجه لسيادته مباشرة نداءات أو استغاثات أو حتى أمنيات ومقترحات وهذا وان كان يعكس ثقة الناس فى شخص الرئيس فهو يعكس فى نفس الوقت أن هناك جهات لم تقم بدورها ولم تملأ الفراغ ولم تشبع المواطن ولم تلب احتياجاته ولم تحل مشاكله حتى الصغيرة منها، فقطعا سيلجأ المواطن – أى مواطن – إلى مخاطبة ولى الأمر مباشرة، المواطن كان يلجأ قديما إلى شيخ البلد أو الحارة ثم العمدة، ثم عضو مجلس الشعب أو الشورى أو حتى رئيس الحى أو القرية ثم المحافظ ووكلاء الوزارة فى المديريات المختلفة ثم الوزراء المعنيين، لكن الآن اختفت وتوارت كل الدوائر أمام المواطن ولم يعد أمامه إلا دائرة الرئيس، لذلك نجد كل طلبات المواطنين تأتينا باسم الرئيس وفى مجال عملى الصحفى والإعلامى أتلقى يوميا مئات الاتصالات والرسائل من مواطنين عاديين تنتهى دائما «يا ريت توصل صوتنا للرئيس فى برنامجك» الحقيقة أن هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة، لماذا فقد المواطن الثقة فى كل هذه الدوائر، أنا هنا لا أتهم أحدا بالتقصير ولا أحاول أن ألقى تهما بشكل جزافى على جهة ما، فى تقديرى أن هذه الظاهرة – إن كانت صحيحة – ترتبط ارتباطاً وثيقا بفقدان الشغف الانتخابي، فكونك لا تهتم بأمر ما فهو فى تقديرك غير مفيد لاهتماماتك واحتياجاتك ، ورغم أن هذه المجالس وتلك الانتخابات هى استحقاقات دستورية واجبة وليست موضعا لنقاش أو جدل ، لكننى اقرأ الموضوع من زاوية أخرى يغلب عليها الواقعية السياسية والاجتماعية، فربما ثقافة الانتخابات فى مصر تشى بأن مجلس الشيوخ لا يحظى بجماهيرية مثل مجلس النواب لأسباب تحتاج إلى تصحيح ايضا، وربما يكون هذا تفسيرا وجيها، لكن أيضا لا أستطيع أن أقول ان الحراك الانتخابى موجود إلا فى دوائر الأحزاب والمرشحين وداعميهم والجهات المرتبطة بإتمام العملية الانتخابية، أشعر أن الشارع والمواطن العادى لم يكن موجودا – على الأقل حتى الآن – وأنا هنا أنظر للمواطن العادي، وهل هو مهتم بهذه الجولات الانتخابية أم لا؟ وهل ينتظر من تلك المجالس أن تغير من طبيعة حياته وتحل مشاكله أم لا ؟ وهل الأسماء المطروحة من الأحزاب لتمثيل الشعب هى الأفضل سياسيا أم هى الأغنى ماديا؟ هل هناك بحث حقيقى عن كوادر حقيقية قادرة على العمل بتجرد أم أن المجاملات والتوازنات والتبرعات هى سيد الموقف؟ وهنا أطالب بدراسة ملف انتخابات 2010 وتحديد الأخطاء التى ارتكبت وقتها فى حق مصر والمصريين وقبلهم فى حق الرئيس مبارك رحمة الله عليه وذلك اعمالاً للحكمة التى تقول «أنا لست غبيا حتى أتعلم من أخطائى على أن أتعلم من أخطاء غيري» اللهم بلغت اللهم فاشهد.