مازال الحديث مستمراً حول الإستراتيجية الوطنية للتصنيع. وأتحدث اليوم عن خطة مصر لتصنيع السيارات. وتولى مصر اهتماماً متزايداً بصناعة السيارات، مدركةً أهميتها الاستراتيجية كقاطرة للنمو الاقتصادى وخلق فرص العمل وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لم يعد الأمر مقتصراً على تجميع السيارات المستوردة، بل يتجه نحو توطين الصناعة بالكامل، من خلال تطوير شبكة محلية قوية، وتصنيع المكونات محلياً، وصولاً إلى تصميم وتصنيع سيارات تحمل شعار «صُنع فى مصر». هذا التوجه يستند إلى رؤية طموحة تهدف إلى جعل مصر مركزاً إقليمياً لصناعة وتصدير السيارات، مستفيدةً من موقعها الجغرافى المتميز واتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من التكتلات الاقتصادية، وقاعدتها الصناعية الواسعة.
وتشمل استراتيجية الدولة عدة محاور رئيسية.
أولاً العمل على تهيئة بيئة تشريعية وتنظيمية جاذبة، عبر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية صناعة السيارات التى تهدف إلى تقديم حوافز وتسهيلات للشركات المحلية والعالمية، وتسهيل الإجراءات الإدارية، وتوفير الأراضى الصناعية المجهزة.
وثانياً الاستثمار فى البنية التحتية، من خلال تطوير المناطق الصناعية المتخصصة وتوفير مصادر الطاقة اللازمة، وشبكات الطرق التى تخدم المصانع وسلاسل الإمداد.
وثالثاً التركيز على توطين صناعة السيارات الكهربائية، وهو توجه يتماشى مع التوجهات العالمية نحو الاستدامة البيئية، ويتيح لمصر فرصة الدخول بقوة فى سوق ناشئة وواعدة، عبر جذب استثمارات فى مجال تصنيع البطاريات ومحطات الشحن والسيارات الكهربائية نفسها.
ورابعاً بناء القدرات البشرية، من خلال تطوير المناهج التعليمية والتدريب الفنى لتلبية احتياجات الصناعة من العمالة الماهرة والمهندسين.
وتظهر نتائج هذا الاهتمام فى العديد من الشواهد، حيث شهدت الفترة الأخيرة إبرام عدة اتفاقيات وشراكات مع كبرى شركات السيارات العالمية، سواء لتجميع موديلات حديثة، أو لتصنيع مكونات معينة، أو حتى لتطوير سيارات كهربائية محلية. كما تزايد عدد الشركات المحلية التى بدأت فى إنتاج مكونات السيارات بجودة عالية، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويدعم الصناعة المحلية. ولا يقتصر الأمر على الشركات الكبيرة، بل يمتد إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التى تشكل العمود الفقرى لشبكة الموردين، مما يخلق بيئة صناعية متكاملة ومترابطة.
إن التحديات التى تواجه هذه الصناعة لا يمكن إغفالها. تتضمن هذه التحديات الحاجة إلى استثمارات ضخمة، ومواكبة التطورات التكنولوجية السريعة فى صناعة السيارات العالمية، وتوفير العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد بعض المكونات الأساسية، وتطوير البنية التحتية الخاصة بالسيارات الكهربائية بشكل أسرع. ومع ذلك فإن الإرادة السياسية الواضحة والجهود المبذولة من قبل الحكومة المصرية والقطاع الخاص تشير إلى أن صناعة السيارات فى مصر تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق طفرة نوعية، مما يضمن لها مكانة مرموقة فى خارطة صناعة السيارات العالمية والإقليمية.
وتتخذ مصر خطوات جادة لجذب الاستثمارات فى قطاع صناعة السيارات، معتمدة على استراتيجية واضحة تهدف إلى تحويلها لمركز إقليمى رائد فى هذا المجال. تستفيد الدولة من موقعها الجغرافى الاستراتيجى الذى يربطها بالأسواق الأوروبية والأفريقية والشرق أوسطية، بالإضافة إلى شبكة واسعة من الاتفاقيات التجارية التى تتيح للشركات المصنعة الوصول إلى أسواق بمليارات المستهلكين دون عوائق جمركية. كما أن السوق المحلى الضخم الذى يتجاوز 100 مليون نسمة يمثل دافعاً قوياً للاستثمار. وتعمل الحكومة المصرية على توفير حوافز استثمارية مغرية، مثل الإعفاءات الضريبية والجمركية، وتوفير الأراضى الصناعية المجهزة بأسعار تنافسية، وتبسيط الإجراءات الإدارية. هذه الجهود، مدعومة بتطوير البنية التحتية من طرق وموانئ، وتأهيل الأيدى العاملة، تزيد من جاذبية مصر كوجهة مثالية للشركات العالمية الراغبة فى التوسع وتوطين صناعاتها.
وللحديث بقية