صناعة« المفتى الرشيد» فى عصر الذكاء الاصطناعى:
المفتى: الرئيس السيسى يدعم مسيرة الإفتاء الرشيد لإعداد جيل قادر على مواكبة التحولات الرقمية
وزير الاتصالات: نؤمن بأهمية التمكين الرقمى للمؤسسات الإفتائية وتفعيل أدوات « الذكاء الاصطناعى»
أكد د.مصطفى مدبولى رئيس الوزراء أن القضية الفلسطينية ستظل قضيتنا الكبري، وسنظل هنا فى مصر داعمين لأشقائنا فى فلسطين، رافضين رفضاً قاطعاً تهجيرهم من أرضهم، ورافضين رفضاً قاطعاً كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، ورافضين كل صور الظلم المهول والقهر المرير لهم، مؤكداً ثوابت الدولة المصرية فى دفع الظلم والعدوان عن أشقائنا فى فلسطين عموماً وغزة على وجه الخصوص.
أضاف د. مدبولى فى كلمته التى ألقاها نيابة عنه الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، بالمؤتمر العالمى لدار الإفتاء المصرية وعنوانه: «صناعة المفتى الرشيد فى عصر الذكاء الاصطناعي»، برعاية السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن الرشد هو الغاية من الدين وشرائعه وأحكامه، وهو شعار الدين وعلامته، وأن كلمة «الرشد»، التى ينطلق منها عنوان مؤتمر الإفتاء هذا العام، يُقصد بها القيمة المركزية الشرعية الكبرى التى ننطلق بها إلى عالم الذكاء الاصطناعي، والتى يمكنها وحدها أن تروِّض جموح هذا العالم الصاخب الهادر المزلزل لكثير من القيم والأخلاقيات، مشيراً إلى أن تقنيات وآليات الذكاء الاصطناعى ليست مجرد محرك بحثى فائق السرعة، يجمع المعلومات من كل المصادر الإلكترونية المتاحة، ولا يقتصر على تطبيقاته السطحية مثل «شات جى بى تي» أو «ديب سيك» أو غيرهما، بل هو صناعة ثقيلة ينفق فيها العالم مليارات الدولارات بمجالات الطب، والصناعة والتعليم والاتصالات والبرمجة، وجمع وتحليل البيانات والأمن السيبرانى ويطوِّر تطبيقات معقدة فى مجالات عدة.

فيما أوضح د.نظير محمد عيَّاد ـ مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم أن رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى لهذا الحدث العِلمى المتميز، تمثل دعماً مستمراً من القيادة السياسية لمسيرة الإفتاء الرشيد، وتهيئة بيئة علمية متقدمة تُعِدُّ جِيلاً جديداً من المفتين القادرين على مواكبة التحولات الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
طرح المفتى مجموعة من الأسئلة الفقهية الجوهرية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعى فى الفتوي، مثل قدرة الآلة على فهم تعارض النصوص، ومراعاة النيات الإنسانية، والسياقات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وأثر اختلاف الزمان والمكان فى صياغة الفتاوي، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعى يجب أن يكون أداة مساعدة للمفتي، لا بديلاً عنه، بحيث يظل المفتى هو صاحب الرؤية المسئولة، المبنية على خشية الله وبصيرة القلب وحكمة المقصد.
لم ينس مفتى الجمهورية فى كلمته الحديث عما تتعرض له غزة من عدوان ممنهج، قائلاً: إن غزة اليوم ليست مجرد بلد منكوب يُعانى الجوع والتشريد وبطش الاحتلال، بل هى اختبار حقيقى لنبض الفقه، ومرآة لصدق كلمة الفتوي، وصيحة مظلومين لا يجوز أن تغيب عن ضمير الأمة، داعياً المفتين والعلماء إلى عدم الصمت إزاء المظالم التى يتعرض لها أهل غزة، موضحاً أن الاحتلال الإسرائيلى يستخدم الذكاء الاصطناعى لتحليل الصور والتنبؤ بالتحركات واستهداف الأحياء بدقة قاتلة؛ ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا وتدمير البنية التحتية، بما يبرز خطورة التقنية إذا انفصلت عن القيم، ويؤكد ضرورة وضع ميثاق عالمى يضبط استخدامات الذكاء الاصطناعى على أساس العدل والرحمة، وصيانة الكرامة الإنسانية.
أكد مفتى الجمهورية أن مصر ما زالت تؤدى واجبها التاريخى تجاه القضية الفلسطينية بوعى وشرف، على الرغم من الهجمة الشرسة التى تستهدف دورها، مشيراً إلى أن القيادة المصرية رفضت بكل وضوح محاولات تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم، وتمسكت بحقوقهم الثابتة فى وجه الابتزاز السياسي، فى موقف سيخلده التاريخ بمداد الشرف والكرامة.
فيما أشار د.محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف إلى أن الفتوى صناعة، وليس كل من تصدر عبر شاشة أو وسيلة إعلامية يعد مفتياً، وإن توارى خلف مصطلحات العلم، أو ألفاظ تحسبها من الفقه، وما هى من الفقه بسبيل.
مضيفاً فى كلمته نيابة عن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن الفتوى عملية علمية مركبة تتطلب وعياً شرعياً راسخاً وبصيرة نافذة، مشدداً أن الذكاء الاصطناعى لا يمكن أن يكون بديلاً عن المفتى المؤهل أو الراسخ الذى يحمل على عاتقه أمانة البيان عن الله تعالي، واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها المعتبرة بفهم عميق وإدراك دقيق لمقاصد الشريعة من ناحية، وأحوال الناس المتجددة من ناحية أخري، موضحاً أن العقل البشرى والملكة الفقهية هما الفيصل والحاكم فى إصدار الفتوي؛ فصناعة الفتوى لا تقف عند حدود استخراج نصوص محفوظة، وفتاوى ثابتة، بل هى عملية اجتهادية تقتضى فقهاً دقيقاً، وبصيرة نافذة، وفهماً لمقاصد الشريعة، وربطاً دقيقاً بين النص الشرعى والواقع الذى يمر به المستفتي، وفهماً للمصالح والمفاسد، وإدراكاً لخصوصية الزمان والمكان.
وأوصى الدكتور الضوينى ضرورة وضع ميثاق أخلاقى يضبط التعامل مع الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته، بما يضمن ألا يتحول من أداة نافعة إلى وسيلة تنتهك الخصوصية، وتقوض القيم والمبادئ الأخلاقية التى يقوم عليها تماسك المجتمعات، معلناً أن الأزهر الشريف يعمل حالياً على صياغة وثيقة أزهرية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، من خلال لجنة عليا بإشراف فضيلة الإمام الأكبر، مطالباً بإعداد قائمة بالكفاءات والمهارات العلمية والعملية التى يجب أن تتوفر فيمن يتصدر للإفتاء باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، محذراً فى الوقت ذاته من ذوبان الهوية وضياع الشخصية فى الفضاء الرقمي.
فيما أشار الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى أن عصر الذكاء الاصطناعى جعل المعرفة أقرب إلى الأنفاس، حيث أصبح الوصول إليها أسهل من لمس الشاشة، فبات لكل فرد مكتبة فى جيبه ومستشار يجيب عن تساؤلاته فى أى وقت ومكان، موضحاً أن المعيار الحقيقى للحكم على هذه المعرفة هو صدقها وصحة مراجعها وفق ميزان الشرع والعقل، ذاكراً قول الإمام محمد عبده ـ فى رسالة التوحيد: لا تعارض بين الدين والعلم، لأن كلاً منهما يعتمد على العقل، والدين صديق للعلم وباعث على البحث فى أسرار الكون، وداعٍ إلى احترام الحقائق الثابتة، نافياً اكتمال أركان الفتوى الرشيدة دون تلاقى البصيرة الشرعية مع اليقظة التكنولوجية والرؤية الإستراتيجية.
أكد طلعت أن وزارة الاتصالات تؤمن بأهمية التمكين الرقمى للمؤسسات الإفتائية، وتفعيل أدوات الذكاء الاصطناعى فى حوكمتها، وإطلاق مؤشرات ذكية تلهم الناس وتضيء العقول، مشيراً إلى أن هذا السبيل يصنع المفتى الذى يجمع بين نور الوعى وضوء التكنولوجيا، فيثرى العقول ويشبع القلوب، مستمسكاً بالعروة الوثقى التى لا تنفصم عنها، ويرشد الأمة إلى فقه يواكب العصر ويحفظ الثوابت، واختتم بتأكيده على أن الجمود على القديم هلاك، وأن مواكبة العصر حياة.
الدكتور محمود صدقى الهباش قاضى قضاة فلسطين، ومستشار الرئيس الفلسطينى للشئون الدينية قال أنه حضر من فلسطين التى لا تعرف للسلام واقعاً رغم الألم والدمار والجوع، السلام عليكم من بيت المقدس الذى يعيث فيه الفاسدون فساداً، السلام عليكم من غزة التى تتلوى نساؤها ألماً ويتضور أطفالها جوعاً وينفطر قلوب رجالها كمداً بسبب هذا الإجرام الذى فاق المدي، مضيفاً أن السلام الذى تغيبه جنازير الدبابات أو القذائف التى تتساقط على رءوس الآمنين أو على خيام مهترأة، لن يتحقق إلا بطرد المحتل وتحرير فلسطين.
أشاد قاضى قضاة فلسطين، بموقف مصر ومن خلفها الدول العربية لاسيما الأردن، فى إفساد مخطط الاحتلال، بقوله: الأمر يحتاج إلى موقف ليمسح دموع المحزونين فى فلسطين ويمسح عار القاعدين ولستم منهم، ليس هذا البلد الذى نقف على أرضه منهم، مصر الذى يحاول الصغار التطاول على دورها التاريخي، وأكثر بلد فى العالم قدم مساعدات إنسانية إلى أهل غزة، أكثر من 70٪ من المساعدات التى تقود الجهود رفقة أشقائها فى الأردن والسعودية لتحقيق الأولويات الفلسطينية الأربع.
بينما أشار الدكتور قطب مصطفى سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامى الدولى المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامى إلى أن صناعة «المفتى الرشيد»، أمستِ فريضة دينية، وضرورة عصرية، ومصلحة زمانية، تعزيزاً للأمن الفكرى الذى لا مناص منه، ومحافظة على مقاصد الشرع التى لا حيدة عنها، وحماية للأوطان والشعوب والأمم من التفتت والانزلاق.
داعياً إلى مراجعة مناهجنا الشرعية والاجتماعية والإنسانية، بغية الارتقاء بها إلى مستوى التحديات المتفاقمة والتطورات المتلاحقة، والتغيرات المتتابعة، وتجديد محتوياتها، وتطوير أساليبها بما يواكب العصر. مناشداً دول وشعوب العالم أجمع وضع حد عاجل للمأساة التى يعيشها الشعب الفلسطيني، وغزة الجريحة التى ترزح تحت حصار خانق مفجع، وتجويع ممنهج، وعدوان وحشى غاشم من كيان صهيونى محتل متطرف، تتبرأ من جرائمه كل الأديان والشرائع والقيم والقوانين، مؤكداً أن نصرة هذا الشعب المكلوم المظلوم، ليست خياراً، بل فريضة مقدسة فى كل الأديان والشرائع، وإن إغاثة جوعاه ليست مساعدة بل واجب إنسانى ثابت فى كل الأعراف والتقاليد، والدفاع عن قضيته العادلة فى المحافل والمناسبات ليس منة بل مسئولية أخلاقية على كل من يملك كلمة أو موقفاً أو موقعاً.
من جانبه أعلن الدكتور عمر الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف بأبو ظبى أن الحاجة تبرز إلى تطوير أدوات الفتوى فى ظل الذكاء الاصطناعي، وأن أبرز التحديات التى تواجه الفتوى فى عصر الذكاء الاصطناعى هى الفتاوى العابرة للحدود، حيث يتم تزييف الصور والفيديوهات واستغلالها فى نشر فتاوى مغلوطة ومضللة، داعياً إلى ضرورة الوعى والانتباه باعتبارهما يشكلان البوابة الأولى لأى جهود فاعلة فى المجال الإفتائي.
فيما حذر ميجيل موراتينوس، الممثل السامى للأمم المتحدة لتحالف الحضارات والمبعوث الخاص لمكافحة الإسلاموفوبيا أن تحريف التعاليم الدينية من قبل المتطرفين يهدد وحدة المجتمعات وتماسكها، معرباً عن أسفه لاستمرار معاناة المسلمين من ظاهرة الإسلاموفوبيا وما يصاحبها من تمييز مؤسسي، وصور نمطية، وخطابات سياسية وإعلامية معادية.
ودعا المبعوث الأممى القيادات الدينية إلى الانخراط الفاعل فى التقنيات الحديثة وفهم آلياتها لتوظيفها فى خدمة أهداف نبيلة، وتحقيق المواطنة الرقمية الأخلاقية، وحماية المجتمعات من خطاب الكراهية عبر الإنترنت.