يشهد العالم حاليا واقعا مؤسفا للحوار السياسى العالمي، تاهت فيه المبادئ والخلق والأعراف الدبلوماسية الراقية، وتدنت فيه لغة الحوار بين رؤساء وقيادات الدول. والغريب فى الأمر أن الصفات والنزعات الشخصية لبعض القيادات العالمية أصبحت هى المتحكم المحورى فى التوجهات والقرارات المتعلقة بأمن وسلام العالم.وللأسف الشديد، فقد ابتلانا الله فى هذه الفترة العصيبة ببعض الشخصيات المريضة أو غير الناضجة لتمسك بزمام مصير الشعوب والدول فى مناطق كثيرة من العالم.
أما قيادتنا الرشيدة فى مصر، فقد استطاعت بحكمة وصبر وثقة أن تتعامل مع مناورات وألاعيب سياسية متعددة من عدة جهات خلال الفترة الماضية؛ من أعداء أو دول يقال عنها «عظمي»، أو من أعدقاء، أوقدوا النار من حولنا، فهرب من فيها إلينا، ثم أشعلوا الحرب والدمار، وقتلوا عشرات الآلاف فى غزة بغرض استفزازنا، وتصوروا أن الفلسطينيين سيلجأون إلى مصر، أو أنهم قد يشترون جزءا من أرضنا فى سيناء ليهاجروا إليها، وأغرونا بأموال طائلة… ولكننا صمدنا وصبرنا، ولم تلِن عزيمتنا.
ثم بدأ اللعب بأصابع الغدر والخسة داخل مجتمعنا، وبنفس الأسلوب الدنيء الذى نعلمه جيدا وهو استغلال العوز الاقتصادى لفئات من أصحاب الدخل المحدود، فى محاولة يائسة لاختراق النسيج الوطنى وبث الفتنة والآن… جاء دورنا نحن، كشعب أبي، لحماية هذا الوطن.وعلى كل مواطن مصرى شريف أن يدرك أن الدفاع عن مصر لم يعد قاصرا على حدودها الجغرافية أو قواتها المسلحة، بل أصبح مسؤولية يومية تبدأ من الوعى وتنتهى بالفعل. فالأعداء اليوم لا يأتون فقط عبر الحدود، بل يختبئون خلف الشاشات، ويتخفون فى صورة دعاة تغيير، أو ناشطين مزيفين، أو حتى «خبراء» مأجورين يزرعون الفتنة بين الناس ويشعلون نار اليأس والإحباط.
ولكى نحمى بلدنا، علينا أن نتحلى بالوعى والحذر ولنعلم أن كل من يشكك فى مؤسسات الدولة، أو يسيء إلى الجيش والشرطة، أو يبث أخبارا مجهولة المصدر، إنما يخدم بقصد أو بغير قصد أهداف العدو. كما يجب أن نعلم أن كل من يرفع شعار المعارضة ليس بالضرورة وطنيا، فهناك من يعمل لمصلحة الخارج، ويتواصل مع جهات معادية مقابل المال أو الحماية. علامات الشك تشمل التكرار المستمر للهجوم على الوطن، ترويج الإشاعات، والسخرية المنظمة من الرموز الوطنية، واختلاق الأكاذيب لإثارة الغضب الشعبي. كما أنه لا يجوز التحدث عن مواقع أو معلومات تخص الأمن أو الجيش أو البنية التحتية على وسائل التواصل، أو بين أشخاص غير موثوق بهم. السرية واجب وطني، والتفريط فيها جريمة فى حق كل مصري.
علينا جميعا العمل على تحصين المجتمعات ذات الدخل المحدود فهنا يكون الخطر الأكبر، يجب على المجتمع ككل من مؤسسات دينية، ومراكز شباب، ومجالس محلية أن تكثف التوعية، وتوفر فرص الدعم والتشغيل والتدريب، ليشعر المواطن البسيط أنه جزء أصيل من هذا الوطن، لا بوابة يمكن اختراقها. أما غرس الانتماء فيبدأ فى البيت، ويتعمق فى المدرسة، ويتأكد عبر الإعلام. علينا أن نحمى أبناءنا من سموم المحتوى المدسوس، ونغذيهم بفخر الانتماء وحقيقة المعركة.
نعم، إن الحفاظ على مصر اليوم مسئوليتنا جميعا، لا نفرط فى حبة رمل منها، ولا نتهاون فى كشف أى صوت خائن أو عمي. فمصر لم تكن يوما للبيع، ولن تكون. ومهما اشتد الحصار، واشتعلت المؤامرات، سيبقى هذا الوطن شامخا بمن فيه من الشرفاء، ووعيهم، وإيمانهم العميق بأن من يحمى مصر حقا… هو الشعب الذى إرتوى من نيلها الخالد وأكل من خيرات أرضها المباركة