لا شك أن الغاز الطبيعي وتأثيره المباشر على القطاعين الصناعي والزراعي يعدان من أهم محركات قاطرة التنمية، وعاملًا رئيسيًا في تحسين المعيشة ودفع عجلة الإنتاج.
وعلى الرغم من وجود دراسة لرفع سعر توريد الغاز الطبيعي للمصانع بواقع دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ليزيد الحد الأدنى لتوريد الغاز لمصانع الأسمدة من 4.5 دولار إلى 5.5 دولار، فإن الحكومة ما زالت تدعم سعر الغاز للحفاظ على توازنات السوق المحلي، وعدم ارتفاع أسعار المنتجات والمحاصيل بشكل مباشر.
فقد كانت وزارة البترول والثروة المعدنية تبيع الغاز الطبيعي بأسعار متفاوتة أو بمعادلات تسعير حسب طبيعة النشاط الصناعي، حيث يحدد بسعر لا يقل عن 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية لصناعة الأسمدة الآزوتية، و5.75 دولار لصناعة الأسمدة غير الآزوتية والحديد والصلب، و12 دولارًا لصناعة الأسمنت، و4.75 دولار لمختلف الأنشطة الصناعية الأخرى، و4 دولارات لمحطات توليد الكهرباء.
ونعلم جميعًا أن أسعار بيع الأسمدة في السوق المحلي لها تأثير مباشر على أسعار الغذاء التي يتأثر بها المواطن. لذلك، حرصت الحكومة على توفير الغاز ودعمه لمصانع الأسمدة، التي بدورها تقوم بتوريد نسبة 55% (نحو 3.5 مليون طن سنويًا) من إنتاجها إلى وزارة الزراعة، حيث يتم توزيعها على المزارعين.
ورغم صدور دراسة من الشركة القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” لتحديد تكلفة المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي الذي يضخ للمصانع بنحو 6 دولارات، وفقًا لمعدلات إنتاج واستيراد العام المالي الماضي 2024-2025، والتي سترتفع لأكثر من ذلك في العام المالي الجاري بسبب زيادة معدلات استيراد الغاز الطبيعي للبلاد، فإن الحكومة قررت تثبيت السعر حفاظًا على استقرار السوق.
يبلغ إنتاج مصانع الأسمدة الآزوتية نحو 6.6 مليون طن سنويًا (يحتاج طن السماد إلى 26 مليون وحدة حرارية بريطانية)، بمحتوى حراري سنوي يبلغ 171.6 مليون وحدة حرارية بريطانية، بما يقدر بمليار دولار سنويًا تقريبًا.
فضلًا عن شركات إنتاج الميثانول كثيفة الاستخدام للغاز الطبيعي بطاقة إنتاجية تبلغ 1.3 مليون طن من الميثانول سنويًا، حيث يحتاج 0.8 طن غاز طبيعي لإنتاج طن ميثانول، بما يعادل 52.0 مليون وحدة حرارية بريطانية (يحتوي طن الغاز الطبيعي على 50 مليون وحدة حرارية) بتكلفة تبلغ نحو 250 مليون دولار سنويًا.
وحيث إن مصانع الأسمدة تشكل حوالي 35% من إجمالي استهلاك القطاع الصناعي من الغاز، في الوقت الذي يحتاج فيه القطاع الصناعي إلى نحو 2.1 مليار قدم مكعب يوميًا، ضمن إجمالي استهلاك محلي يبلغ 6.2 مليار قدم مكعب يوميًا، بينما يتراوح الإنتاج المحلي حاليًا من 4.1 إلى 4.3 مليار قدم مكعب يوميًا، مما يخلق فجوة تزداد خلال فصل الصيف لتصل إلى نحو 7 مليارات قدم مكعب غاز يوميًا تحتاجها الدولة.
لذلك، نرى أن تقوم الحكومة بدراسة تمكين الشركات ذات الاستهلاك الكثيف للغاز الطبيعي من استيراده لحسابها من خلال عقود طويلة الأجل، حيث إن الدولة قد وفرت البنية التحتية اللازمة لذلك من خلال محطات التغييز والشبكة القومية المتكاملة لنقل الغاز الطبيعي لمصانعهم، مع تحميلهم تكلفة البنية التحتية.
ويشترط أن تعوض الحكومة شركات الأسمدة عن فرق سعر التوريد للسوق المحلي والمورد لوزارة الزراعة بأسعار مرنة، على أن تتم إعادة النظر في ضبط منظومة توزيع الأسمدة والتحقق من وصول هذا الدعم إلى المزارعين الحائزين لأقل من خمسة أفدنة، وتحديد سقف لأسعار بيع السماد في السوق المحلي، مع إلزام شركات الأسمدة بتوفير النسبة المقررة للسوق المحلي للحفاظ على ثبات أسعار المحاصيل الزراعية.
ونتوقع من خلال ذلك مزايا عديدة، منها ثبات تشغيل شركات الأسمدة بالأحمال القصوى طوال العام، وإتاحة الاستيراد بأسعار تنافسية بعقود طويلة الأجل.
كما يوفر ما يزيد على مليار ونصف المليار دولار سنويًا لخزينة الدولة، يمكن استخدامه في سداد مستحقات الشركاء الأجانب، ودعم صناعات محلية استراتيجية أخرى، ويفتح فرصًا استثمارية للقطاع الخاص في استيراد الغاز الطبيعي، وإنشاء مشروعات مستقبلية في مجالات أخرى.
كما يدعم مصر كمركز إقليمي لتداول وتجارة الطاقة، ويعظم دور جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز الطبيعي، ويمكن الدولة من استرداد تكلفة تسهيلات وإيجار وحدات التغييز، كما يعمل على استمرارية تشغيل شركات البتروكيماويات مثل (سيدبك وإيثيدكو والبتروكيماويات المصرية وغيرها) التي تستخدم غاز الإيثان كمادة أولية في صناعة البتروكيماويات، وذلك بعدم اللجوء إلى ضخه في الشبكة القومية بفضل استمرارية توافر الغاز الطبيعي، مما يساعد الدولة في توفير ودعم كل الصناعات الصغيرة والمتوسطة وصناعة القيمة المضافة من خلال إنتاجها المحلي من الغاز الطبيعي. وفي المقال القادم نتابع فرص تعظيم القيمة المضافة من الموارد الطبيعية.