حرصت الدولة على مواجهة توحش «بيزنس الكافيهات» الذى صار ملاذا آمنا لمن يريد الاستثمار السريع بدون ضوابط.. وكما تحركت الدولة فى أغلب الملفات لبناء «جمهورية جديدة» تليق بالمواطن المصرى فإنها تبدأ الحرب على مافيا أصحاب الكافيهات غير المرخصة لتضعها تحت «مظلة القانون».
«الجمهورية» اقتحمت العالم السرى لتجارة الكافيهات التى تدمر اقتصادنا وشبابنا حتى وإن زعم أصحابها أنهم يعملون لتنشيط «السياحة» وهم يعيثون فى الأرض فساداً.
انتشرت المقاهى والكافيهات فى مختلف أحياء العاصمة بصورة مفزعة، حتى يمكن القول إنه لا يوجد شارع يخلو من «كافيه» ذلك الاسم الذى أصبح المسمى الحديث والنيولوك للمقهى التقليدى الذى نعرفه.
الغريب أن هذه «الكافيهات» أو المقاهى سابقا يسيطر عليها مجموعة بلطجية كونوا إمبراطورية كبيرة تتمرد على القانون ويفرض أصحابها نظاما غريبا على زبائنها حيث يقومون بالاستعانة ببعض «الجاردات» مما سهل لهم رفع الأسعار دون أن يستطيع أحد أن يواجههم.
محمد عبدالرحمن أحد رواد هذه الكافيهات بحى هليوبوليس مصر الجديدة يوضح أن البلطجة والإتاوات والفاتورة المبالغ فيها شعار كافيهات مصر الجديدة..فقد أصبحنا كزبائن نرى بصفة يومية جاردات يقومون بالإشراف على هذه المقاهى ونسمع ألفاظا خارجة، حتى تحولت هذه الأماكن إلى مأوى للخارجين عن القانون وأصبح الحال «لا يسر عدوا ولا حبيبا»، مضيفًا أن هذه الأماكن يسهر روادها حتى الساعات الأولى من الصباح وبعضها يعمل 24 ساعة، وتحولت إلى أوكار لتعاطى المخدرات، وهذا الأمر يحدث «عينى عينك» وإذا حاول أحد السكان الحديث مع هؤلاء البلطحية يجتمعون حوله ويقومون بالاعتداء عليه بأبشع الألفاظ والإهانات.
فيما يرى محمد حسن «مدرس» من سكان ميدان المحكمة بمنطقة مصر الجديدة أن أغلب كافيهات مصر الجديدة تعتمد على المظهر الخارجى من ديكورات وكراسى وأنتريهات، وكل هذا «الشو» يدفع تكلفته الزبون، وأغلب زبائن هذه الأماكن من الشباب والطلبة حتى تحول الكافيه إلى مشروع استثمارى مشجع على التجارة والربح، مضيفا أن الأسعار فى كافيهات الحجاز ومصر الجديدة مضاعفة ومبالغ فيها ولو فكرت الاعتراض سيظهر»بوديجاردات» ويتم تفتيشك وتتعرض لكل أنواع البهدلة.
ويتساءل الدكتور مصطفى عبدالفتاح من سكان شارع الحجاز عن دور الرقابة قائلا: نحن السكان ضحية فتح هذه الأوكار دون تراخيص وتفتيش على العاملين بها، وكل هذه الكافيهات مع الأسف تحتل الأرصفة وتضع الكراسى فى الشوارع ونحن لا حول ولا قوة لنا أمام الأسلحة البيضاء التى بحوزتهم ويلجأون إلى تخزينها فى الخفاء لإرهاب من يحاول التمرد على قوانين عالمهم.
وتقول هدى سعيد ـ ربة منزل: أبناؤنا فى مراحل تعليمية مختلفة ولا يتمكنون من متابعة دروسهم بسبب الأغانى الصاخبة التى تزعجنا ويقومون بتشغيلها حتى الصباح ..ولا نستطيع أن نذاكر أو نستريح فى بيوتنا .. وعندما نبلغ أحد المسئولين ويعلم أصحاب هذه الأماكن بما قمنا به يلتزمون لفترة قصيرة ثم يرجع الوضع كما كان.
أوضح حسن المحمدى موظف بإحدى الجمعيات الخيرية ـ أن الكافيهات أصبحت مشروعا تجاريا مفضلا لمن ليس له مهنة، وللأسف لا توجد دراسات لحل مشكلة هذه الأماكن كتقنين أوضاع العاملين بها وتحديد عدد ساعات العمل، ومطلوب مراقبة إيرادات هذه الكافيهات لسداد الضرائب.
سؤال غريب يتبادر إلى ذهنك: كيف يحصل الكافيه على الترخيص بالعمل وهو مصدر إزعاج وضوضاء فى المنطقة المتواجد بها .. «الجمهورية» تكشف الباب الخلفى لاستخراج تراخيص الكافيهات
بداية يقول حاتم عاطف مهندس إن التراخيص متوقفة من حى مصر الجديدة ولا يتم منح أى ترخيص بفتح أى كوفى شوب بالمنطقة لكننا نشاهد ونرى يوميا كافيه يتم الاحتفال بافتتاحه، وعندما نسأل عن كيفية فتح هذه الأماكن نكتشف أن كل هذه الكافيهات الموجودة تحصل على تراخيصها من قبل الجهات السياحية وليس الحى ويعد ذلك عائقا أمام الأحياء فأغلب حملات الغلق والتشميع التى يقوم بها حى مصر الجديدة على هذه الكافيهات لا تؤتى ثمارها لأن تلك الكافيهات يعاد فتحها من جديد وذلك عن طريق الجهات السياحية.
وعن كيفية جلب ترخيص لفتح مقهي، يقول أحد أصحاب كافيهات منطقة وسط البلد-رفض ذكر اسمه -إن الباب الخلفى لفتح أى كافيه فى وسط البلد دون إذن أو تصريح يتم من خلال الإكراميات وعدم وضع الكراسى خارج المقهى إلا بعد الظهر وأن يتقدم لرئيس الحى بطلب فتح كافيه سياحى أو مقهى شعبى وعندما يأتى إلى مسئول يؤكد له أنه فى طريقه لاستخراج الرخصة، مضيفا أن أصحاب الكافيهات يلجأون إلى المحليات لاستخراج هذه التراخيص بدلا من وزارة السياحة التى ترفع تكلفة استخراج التراخيص .. ومحافظة القاهرة تضم ما يقارب من 150 ألف مقهى و22 ألف مقهى فقط مرخص.
فى حين يوضح « سيد» صاحب مقهى بحى الوراق أن أصحاب المقاهى لا يسعون للحصول على إجراءات الترخيص لأنها تتطلب ملفا ضريبيا، مضيفا أنه حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية وفشل فى العثور على فرصة عمل ولم يجد طريقا للإنفاق على أسرته سوى فتح هذا المقهي.
فيما أشار عبدالرحمن فوزي- محام- أن المقاهى والكافيهات أصبحت آفة العصر بعدما أصبحت منتشرة فى شوارع القاهرة ولا يتوانى أصحابها عن إشغال الطريق بوضع الكراسى فى الشارع والتعدى على حرم الطريق مما يؤدى إلى مضايقةالسائرين فى الشوارع، وفى المناطق الشعبيةتنتشر«الغُرَزْ» وهى أماكن تؤوى البلطجية والخارجين عن القانون والتى تحتاج إلى رقابة صارمة وهذه «الغرز» لا تخلو من المشاجرات خاصة بين المتعصبين لكرة القدم ولأسباب تافهة قد تجد الأمر ينتهى الى اصابات بين الجانبين.
لم يكتفِ أصحاب الكافيهات باحتلال الأرصفة وشغل الشوارع، بل قام كثير منهم بتملك الأدوار الارضية فى أغلب العقارات سواء القديمة أوحديثة البناء وقاموا بتحويلها إلى كافيهات ومقاه وكذلك الشقق السكنية ذات الموقع الاستراتيجي، الأمر الذى أدى إلى توحش تلك الظاهرة وتحولها إلى مصدر إزعاج للساكن والمار والحالم بلحظة صفاء.
يقول محمد على موظف ـ إن انتشار المقاهى فى الشوارع الرئيسية والداخلية أصبح مشكلة حقيقية ..أنا من سكان منطقة حدائق القبة وتحديدا من شارع مصر والسودان ولدينا أكثر من كافى شوب استغل الأدوار الأرضية والجراجات فى أغلب عقارات الشارع وتم تحويلها إلى مقاه يتجمع عليها العاطلون وصغار السن مما يؤدى إلى حدوث العديد من المضايقات والمعاكسات للمارة وعلاوة على ذلك قام أصحاب هذه المقاهى باستغلال الأرصفة لحسابهم الخاص ووضعوا عليها المقاعد وكأن الرصيف ملكا لهم وليس للمارة.
ويقول محمد عبد المنعم ـ صاحب معرض للسيارات ـ إن سبب انتشار هذه الظاهرة هو تراجع دور النوادى وخاصة نوادى النقابات المنتشرة على كورنيش النيل فهذه النوادى مع الأسف لا تقوم بالدور الاجتماعى المخصص لها وتسعى للربح المادى فقط مما أفسح المجال أمام الشباب لترك هذه النوادى الرسمية والتى تخضع للرقابة والإشراف وهربوا إلى الجلوس على الكافيهات التجارية خاصة بعد أن قررت هذه النوادى رفع أسعار المشروبات بداخلها وأصبحت نوادى النقابات والشركات نوادى طاردة للأعضاء.
ويقول رامى عادل من منطقة المعادى إن هناك تسابقا من أصحاب المقاهى على تملك الأدوار الأرضية بأى ثمن حتى مع ارتفاع قيمتها لأنهم يعلمون أن تحويل هذه الأماكن إلى مقاه سيحقق أرباحًا طائلة، فلا يوجد حد أدنى للمشروبات فى كافيهات المعادى أو ما يسمى « مينيمم تشارج» والذى يزيد على 150 جنيها، أما حَجَرْ الشيشية فسعره 40 جنيها ولدينا كافيهات تبيعه بـ60 جنيها، وكل كافيه يتعامل على حسب طريقته وأسلوبه، وكوب الشاى العادى بـ 30 جنيها، والعصير أقل مشروب بـ50 جنيها وهناك مشروبات بـ60و70 جنيها.
يشير طاهر عبده- تاجر- من شارع طلعت حرب أن عشرات الكافيهات فى شارع طلعت حرب والشوارع الجانبية تتلاصق وتحتل مساحة كبيرة من الشارع، ورغم قيام محافظة القاهرة بتنظيف الشارع من الباعة الجائلين فإن هناك زحاما شديدا بسبب هذه الكافيهات إلى جانب الخناقات والمعارك بين أصحاب هذه الأماكن الذين يقومون بإجبارالزبائن على الجلوس بالقوة وأحيانا تشهد معاركهم إخراج الاسلحة البيضاء ويذهب ضحيتها الشباب وصغار السن بجانب أطفال الشوارع التى يتم استغلالهم من قبل أصحاب الكافيهات فى تنظيف الشيشة والحمامات الداخلية.
من جانبها، تقول الدكتورة سهير حواس أستاذ العمارة وعضو مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى إن الكافيهات غير المرخصة لا تراعى القانون وتتعدى على العقارات بوضع لافتات غير مناسبة أو إضاءة تشوه المنظر الجمالى للعقار ويجب التصدى لها بقوة حتى نستطيع استعادة المشهد الجمالى للدولة كما كان فى الماضى وذلك من خلال إغلاق هذه الكافيهات التى لا تحمل تراخيص، إلى جانب معالجة واجهات العقارات من التلف والتعديات التى تمت عليها وإزالة اللافتات، وأيضا يجب منع إشغالات الأرصفة التى تتسبب فيها هذه الكافيهات والحرص على أن يكون الرصيف كافيا لاستيعاب المواطنين أثناء التنزه فى الشارع، والعمل على تطوير الأرصفة من خلال توسيع مساحتها وإصلاحها وصناعة منحدرات لذوى الاحتياجات الخاصة لترسيخ مبدأ أن هذه الأرصفة من حق المشاة وليس لبلطجة أصحاب الكافيهات المخالفة.
أضافت حواس أن هناك تشريعات جيدة تساعدنا فى التصدى لمخالفات هذه الكافيهات ولكننا نعانى من عجز فى تنفيذ هذه التشريعات لأن لدينا دائما من يتجاوز القانون ويفتخر بذلك لأن هناك مشكلة فى ثقافة المواطن المصرى لذلك نحتاج إلى تطبيق القوانين ولا يجب أن نسمح لظاهرة تحويل الجراجات والبدرومات إلى كافيهات غير مرخصة تسيطر على الشوارع، وهنا أيضا يأتى دور الإعلام فى تثقيف المواطن وخلق درجة من الوعى لديه بأهمية هذه الأرصفة وعدم السماح للكافيهات باحتلالها لأنها من حق المشاه وكذلك ظهور المبانى بشكل حضارى يساهم فى دعم السياحة فلا بد من تنظيم مجموعة من محاضرات التوعية فى مراكز الشباب والمدارس تشرح أهمية ظهور هذه العقارات بشكل حضارى لأن ذلك يمثل دخلا قوميا للدولة عن طريق تنشيط السياحة.
يشير الدكتور ماهر عزيز ـ استشارى الطاقة والبيئة ـ أنه إذا كانت هذه الكافيهات تحمل تراخيص فلن تواجه مشاكل لأنه من شروط إصدار الترخيص مراعاة الجوانب الصحية، ولكن للأسف معظم هذه الكافيهات يعمل بدون ترخيص وفى غياب الاشتراطات الخاصة بالترخيص نجدها ضارة بالبيئة والصحة العامة للمواطن فهى تعمل على إدخال الملوثات إلى البيئة الطبيعية عبر الأدخنة التى تتصاعد من «الشيشة» مما يلحق الضرر بها ويسبب حالة من الاضطراب فى النظام البيئي، لذا يجب مراعاة البعد البيئى والاجتماعى عند الترخيص، ولا بد من إعادة النظر فى قيمة المخالفة التى يدفعها أصحاب الكافيهات التى لا تحمل ترخيصا لأنها تكون بسيطة جدا مما يجعل أغلبهم يعملون بدون الحصول على ترخيص من الدولة، فيجب مضاعفة قيمة المخالفة ثلاث مرات على الأقل حتى لا نجد كل هذا الكم الهائل من الكافيهات غير المرخصة، كما يجب مراجعة اشتراطات الترخيص من جانب وزارتى الصحة والبيئة، مطالبا بتشكيل لجنة تضم أطباء وخبراء بيئة وخبراء الصحة العامة ورجال القانون لمراجعة التشريعات الخاصة بالبيئة والتصدى للمخالفين لهذه التشريعات خاصة بعد أن انتشرت هذه الكافيهات التى لا تحمل ترخيصا فى كل شوارع مصر وأصبحت تهدد الصحة العامة للمواطن .
من جانبه يؤكد أسامة الأشمونى عضو لجنة الادارة المحلية بمجلس النواب السابق أنهم استخدموا سبلا كثيرة فى التصدى لظاهرة الكافيهات المخالفة بداية من الحملات الأمنية ومصادرة إشغالات هذه الكافيهات وقطع المرافق عنها، ولكن وجدنا أن هذه المشكلة لم تُحل من الدولة فقط، ولكن عن طريق المواطن نفسه، فعندما تناولنا هذه القضية بعمق وجدنا أن الحل يبدأ من أصحاب الرصيف أنفسهم، أى المواطنين الذين يقطنون العقارات المحيطة بالكافيه ويتضررون من هذه الإشغالات، وبالفعل بدأنا منذ فترة التواصل مع ساكنى هذه العقارات التى توجد بها كافيهات مخالفة وعرضنا عليهم أنه بمجرد أن يتم مصادرة الإشغالات يقوم المواطنون بإنشاء أحواض زرع ووضع الأشجار بها حتى نمنع هذه الكافيهات من احتلال الأرصفة.
أضاف الأشمونى أن الدولة تقوم حاليا بشن حملات مستمرة بالتعاون مع شرطة المرافق لرفع إشغالات هذه الكافيهات التى تستغل الأرصفة مما يعوق حركة المشاة لتحقيق سيولة مرورية للسيارات والمشاة.