«راح القلب الطيب راح الحضن اللى كنت فيه برتاح»… ليست كلمات أغنية، بل هى الحقيقة التى أعيشها الآن بعد رحيل أمى الطيبة، رمز العطاء والحنان والاهتمام والحب بلا مقابل، رحلت أمى عن دنيانا بعد رحلة طويلة ومعاناة مع المرض، برحيلك يا أمى انطفأ النور الذى كان يضيء طريقي، وغابت الابتسامة التى كانت تهون على مصاعب الأيام، وانقطعت الدعوة الصادقة التى كانت تخرج من قلب محب، تشق الطريق وتحفظنى من شر الدنيا.
رحلت يا أمى فجأة، دون أن تهمسى لى بسرك الأخير أنك ستتركيننى وحيدًا، كنت يومى وحياتي، بل كنتِ أنت الحياة كلها، كنتُ أعلم أن الفراق صعب، لكننى لم أكن أتخيل أن روحى ستدفن معك، وأننى سأفقد معك نصف عمري، بل عمرى كله، ما يخفف عنى اليوم هو حب الناس لك، وسيرتك العطرة، وصلاتك وصومك وحجك لبيت الله الحرام، وحديثهم عنك الذى لا ينقطع، ودعواتهم الصادقة.
أمى كانت أعظم من صاحبت، وأوفى من رافقت، وأحن من عشت معه، كانت رحلة كفاح وعطاء، امرأة مثالية فى كل شيء، صبورة على البلاء، محبة للجميع، كانت تعرف أن الدنيا دار ممر، والآخرة هى المستقر، فعملت لدينها ودنياها معا، وعاملت الناس بالدين واللين وحسن الخلق، كانت رمزا للعطاء، تمنح طاقة إيجابية لكل من حولها، وتمنح الحب بلا انتظار لأى مقابل.
لا تزال صورتك أمام عينى فى كل مكان، وصوتك الحنون يهمس فى أذني، ورائحتك الطيبة فى روحي، أضحك حين أتذكر «رخامتى عليك» وهزارنا اليومي، واندفاعى نحوك كلما حان موعد العلاج أو وجبة الطعام، وأبكى كطفل صغير حين أتذكر أننى لن أراك إلا طيفا فى خيالى أو ذكرى فى قلبي، أعدك يا حبيبتى أننى سأنتظرك فى أحلامى كما تعاهدنا سويا، وأنى لن أنساك ما حييت، لأنك محفورة فى قلبى ووجداني، ولأنك لم تكونى مجرد أم، بل حياة وهبنى الله إياها.
أكتب هذه الكلمات ودموعى لا تنقطع، لكن عزائى أنك الآن فى مكان أفضل، عند رب رحيم كريم، بلا مرض ولا ألم ولا أدوية. أنا على يقين أنك من أهل الجنة، وأن روحك الطاهرة ستظل تحيط بى وتحفظنى كما كنت تفعلين، وأعاهدك أن أكون ولدا صالحا يدعو لك ما حييت، وآخر دعواتى أن نلتقى فى الحياة الأبدية فى جنات النعيم، وأن نشرب شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدًا، من يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.