مرة إثر أخرى يضرب الارهاب بخسة فى البلاد العربية. ويتولى الإرهابيون فى زماننا هذا (2025) إمرة وحكم بعض بلادنا العربية المؤثرة.. يضرب الإرهاب فى عهدهم وتحت رعاية مشغليهم فى الإقليم وخارجه ويقتل المدنيين ويفكك الدول التى كانت مركزية ويترك إسرائيل لتحتل لأرض بلاده! الضربات الجبانة والعودة غير المطلوبة جماهيريا تستدعى شجاعة فى المواجهة من رجال الفكر ومؤسسات الدعوة ليبينوا للأمة شذوذ عقيدة تلك التنظيمات المتطرفة وخروجها عن صحيح الدين.. وهنا يأتى الأزهر بدوره التاريخى المشهود.. ليدخل وبقوة معركة المواجهة لضلال الفكر المتطرف والمواجهة للداعشيين الجدد هو دور قديم للأزهر الشريف آن له يتجدد هذه الايام وبقوة.. وفى هذه السطور نحاول أن نقترب من هذا (الدور) بأبعاده التاريخية والدعوية والسياسية، فماذا عنه؟
>>>
بداية يحدثنا التاريخ أن الأزهر الشريف قد تميز بما تميزت به الشريعة الغراء من الوسطية والاعتدال، يقول الله تعالي: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس….).
كما تميز الأزهر بالبعد عن الغلو والتعصب الممقوت والتشدد المنفر الذى ظهر فى هذه الأيام على أيدى الإخوان والدواعش.
كما تميز الأزهر بالبعد عن رمى الناس بالكفر أو التبديع أو التفسيق، فكانت الدقة لدى علمائه فى وضع النصوص فى مكانها ومعناها الصحيح، فلا تستخدم أية ـ نزلت فى الكفار ـ فى محاربة المؤمنين وإخراجهم عن ملة الإسلام. فهذا ما لجأ إليه الخوارج فى كل عصر وزمن، وقد ورد عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال: شرار خلق الله الخوارج عمدوا إلى آيات نزلت فى المشركين فجعلوها فى المسلمين، وقال ذلك ابن عباس أيضا، كما ورد فى بعض الروايات.
وهذا التميز، وكما قلنا من قبل، إنما هو منهج العلماء الثقاة، فقد ورد عن الإمام مالك قوله: لو سمعت الرجل يتفوه بالكلمة تحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها وتحتمل الإيمان من وجه واحد، حملتها على الإيمان.
كما تميز الأزهر بالتمسك بالدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بما هو أحسن، يقول الله عز وجل: «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل: 125).
كما تميز الأزهر بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى رفق ولين والتزام بما أمر الله به فى قوله تعالي: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (آل عمران: 104).
كما تميز الأزهر بأنه لا يحكم على الناس بالظن، وإنما يقدم حسن الظن، التزاما بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم»، والتزاما أيضا بما بينه فى حديثه العظيم الذى قام عليه جل الدين الحنيف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي».
>>>
فى عهد د. أحمد الطيب وقبله بمئات السنين تميز الأزهر بتبنى الوسطية فى أمور كثيرة، كما تبنى الاعتدال فى الآراء فى أمور عديدة، فمشى على منهج السلف الحق، ومنهج الجمهور من العلماء.
ظهر هذا فى قضايا الحج وفتاواه كما تبنى التيسير فى قضية الحجاب وبنى رأيه فى النقاب بعدم اعتباره فرضا على ما ذهب إليه الجمهور من العلماء أيضا، كما تبنى رأيه فى الزكاة خاصة زكاة الفطر، حيث تبنى رأيه الذى ذهب إليه الخلفاء الراشدون والبخارى الحنفى وسعيد بن المسيب والحسن البصرى وسفيان الثورى وأبوحنيفة وغيرهم ممن ذهب إلى جواز القيمة فى هذه الزكاة، تيسيراً على الناس ووصولاً إلى مصالحهم التى تقتضى أن تكون كذلك.
وهناك قضايا كثيرة تبنى فيها الأزهر الرأى الراجح لدى الجمهور، أو الرأى الذى يرونه ميسرا لمشاق الحياة، ولم يخرج عن هدى الشريعة وأقوال الأئمة من الفقهاء المعتمدين.
وكان الازهر رائداً من رواد مواجهة فكر الغلو والتطرف لذلك يسعى هو وصفوة العلماء والدعاة اليوم إلى بعث هذا الدور مجدداً.
هذا ويذكرنا التاريخ فى مجال فقه الوحدة الإسلامية تلك الفتوى الشهيرة للشيخ شلتوت شيخ الأزهر الأسبق بأن المذهب الشيعى الجعفرى يعد مذهباً خامساً يجوز التعبد به كبقية المذاهب الإسلامية.
وهذه الفتوى أنارت الطريق أمام الذين يسعون إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية، وإلى وحدة المسلمين فى كل مكان، وقد أيد كثير من علماء الأزهر هذه الفتوى وهذه الوجهة التى قال بها الشيخ شلتوت، من هؤلاء العلماء شيخ الأزهر الحالي.
❊ وعلى ذات النسق أتت فتاوى رفض العنف والغلو الداعشى والاخوانى والتى تطالب الامة كلها اليوم (2025) أزهرنا الشريف بزيادة وتيرتها ونشر دعوتها على أوسع نطاق لانهم يعودون الينا وقد ارتدوا لملابس الحديثة ليخفوا خلفها إرهابهم وعمالتهم بالوكالة ولعل مواقف هذا الارهاب تجاه حرب الإبادة الصهيونية فى غزة والدائرة منذ 2023.. تؤكد عماتهم وأنهم مجرد (بندقية للايجار) لتفكيك البلاد والجيوش الوطنية فى المنطقة ولم يشاهدوا أبدا أنهم أطلقوا طلقة واحدة فى حياتهم الإرهابية تجاه اسرائيل.. ولن نشاهد! هنا لابد للأزهر الشريف أن يحضر بقيمه ومفاهيمه ووسطيته ووطنيته العظيمة!