آثار تصديق الكابينت الإسرائيلى على اقتراح رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، باحتلال قطاع غزة بالكامل غضب الكثير من دول العالم، فيما تعالت الأصوات فى الداخل الإسرائيلى نفسه ضد القرار واصفين إياه بـ» الكارثة الكبيرة «.
بعد اجتماع مطول استمر لـ10 ساعات من المباحثات، أعلن مجلس الوزراء الإسرائيلى موافقته على بدء تنفيذ خطة الاحتلال تحت ذريعة تحقيق هزيمة حركة حماس، رغم المعارضة التى أبدتها قيادة الجيش.
ويشكل القرار المذكور تصعيدا آخر للهجوم الإسرائيلى الذى دام 22 شهراً على قطاع غزة ،حيث اعتبرته حماس انقلابا على مسار المفاوضات، وترسيما جديدا لحرب لا نهاية لها ستفتح فصل جديد فى حرب الإبادة.
وذكر مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية أن «غالبية أعضاء المجلس وافقوا على قائمة من 5 مطالب لإنهاء الحرب فى غزة»، وفق ما نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».
وحدد مكتب نتنياهو المطالب الخمس في: نزع سلاح حماس، وإعادة كافة المحتجزين الـ50، والذى يعتقد أن 20 منهم فقط أحياء، وتحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، والسيطرة الإسرائيلية الأمنية على القطاع، ووجود خطة لحكومة بديلة ليست حماس ولا السلطة الفلسطينية.
يذكر ان إسرائيل تسيطر على 75 ٪ من مساحة القطاع، ومدينة غزة هى جزء من الـ25 ٪ المتبقية التى لا تسيطر عليها إسرائيل، إضافة إلى عدد من مخيمات اللاجئين فى وسط القطاع.
اظهرت صور الأقمار الاصطناعية التجارية حشد جيش الاحتلال لقواته ومعداته قرب حدود غزة، وهو إجراء يُشير إلى التحضير لعملية برية جديدة فى ضوء موافقة مجلس الوزراء على احتلال مدينة غزة.
انقسام فى الداخل الإسرائيلى
يشهد الداخل الإسرائيلى شبه اجماع على رفض القرار، حيث تزامن الاجتماع مع مظاهرات حاشدة فى القدس، شملت عائلات الرهائن المحتجزين فى غزة، الذين يخشون أن يؤدى التصعيد إلى مقتل ذويهم لدى حماس.
كما عارض مسئولون أمنيون إسرائيليون كبار هذه الخطة، محذرين من ورطة عسكرية بفائدة قليلة.
أفادت صحيفة «يديعوت أوحرونوت» أن رئيس الأركان زامير اعترض على الخطة وقال إنها قد تستغرق عامين وستعرض الجنود للقتل وحياة الأسرى للخطر، مؤكدا على إنه سيواصل إبداء موقفه دون خوف وبشكل موضوعى ومستقل.
أكد زعيم المعارضة الإسرائيليّة يائير لابيد، أنَّ قرار مجلس الوزراء الأمنى المصغر بالسيطرة على مدينة غزة، «كارثة سيتبعها كوارث أخرى كثيرة».
كتب «لابيد» على صفحته بمنصة «إكس» أنَّ وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، هما من دفعا نتنياهو نحو هذه الخطوة.
ولفت إلى أنّ هذه الخطوة من شأنها أنَّ تستغرق أشهرًا عديدة وستؤدّى إلى مقتل المحتجزين وعدد كبير من الجنود، فضلاً عن أنها تكلّف دافعى الضّرائب الإسرائيليّين عشرات المليارات؛ وتؤدّى إلى انهيار سياسي.
وتابع: «هذا بالضّبط ما أرادته حركة حماس أنَّ تبقى إسرائيل محاصَرة فى المنطقة من دون هدف، ومن دون تحديد الصّورة لليوم التالي، فى احتلال عديم الفائدة، لا أحد يفهم إلى أين يقود».
وقال يائير جولان، زعيم حزب الديمقراطيين، أن «هذه الخطوة تعكس نمط سلوك نتنياهو، بأنه ضعيف، ويخضع بسهولة للضغوط، ويفتقر إلى القدرة على اتخاذ القرار، وعاجز عن التوفيق بين ما يعرضه المستوى المهنى وبين جماعة المهووسين التى تتحكم بالحكومة».، واصفاً القرار بأنه «كارثة لأجيال»، فى حديثه لإذاعة الجيش.
وتابع جولان: «أبناؤنا وأحفادنا سيظلون يجوبون أزقة غزة، وسندفع مئات المليارات على مدى السنوات، وكل ذلك من أجل البقاء السياسى لنتنياهو».
كذلك انتقد رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» ووزير المالية السابق، أفيجدور ليبرمان، القرار، بعد أن اتهم نتنياهو بانه يضحى بالإسرائيليين للحفاظ على منصبه وسلطته.
مطالبة بتحرك دولى
من جانبها عبرت الرئاسة الفلسطينية، عن رفضها وادانتها الشديدين للقرارات الخطيرة التى أقرّها «الكابينت» الإسرائيلي، بإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، وتهجير ما يقارب من مليون فلسطينى قسرا من مدينة غزة وشمال القطاع الى الجنوب، فى جريمة مكتملة الأركان تمثل استمراراً لسياسة الإبادة الجماعية والقتل الممنهج والتجويع والحصار، والتهجير القسري، مما يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولى الإنسانى وقرارات الشرعية الدولية.
وحذرت الرئاسة، من أن هذه الخطط الإسرائيلية، ستقود إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، ستضاف إلى ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية من استيطان وضم للأرض الفلسطينية وإرهاب للمستوطنين واعتداء على المقدسات ودور العبادة المسيحية والإسلامية، وحجز الأموال الفلسطينية، وتقويض مؤسسات الدولة الفلسطينية، وهى جرائم ضد الإنسانية تهدد الأمن والسلم الإقليمى والدولي.
أكدت، أن الشعب الفلسطينى لن يقبل بسياسة الإملاءات أو فرض الوقائع بالقوة، وأنه متمسك بحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، وفى مقدمتها حقه فى تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
أمام هذا التصعيد الخطير، قررت دولة فلسطين إجراء الاتصالات العاجلة مع الجهات المعنية فى العالم، حيث طلبت تحركاً عاجلاً من مجلس الأمن الدولى يلزم تل أبيب بوقف هذه الجرائم، كما دعت إلى عقد اجتماعات طارئة لكل من منظمة التعاون الإسلامى ومجلس جامعة الدول العربية، لتنسيق موقف عربى وإسلامى ودولى موحد، يضمن حماية الشعب الفلسطينى ووقف العدوان.
فى الوقت نفسه، ناشدت بشكل خاص الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أن يتدخل لوقف تنفيذ هذه القرارات، والوفاء بوعده بشأن انهاء الحرب والذهاب للسلام الدائم.
فى الاثناء، قال المتحدث باسم حركة فتح الدكتور ماهر النمورة، إنَّ خطة رئيس الوزراء الإسرائيلى التى أقرها داخل اجتماع مجلس الوزراء الأمنى، بشأن مقترح السيطرة على مدينة غزة ضمن خطة أوسع لاحتلال القطاع بالكامل هدفها تهجير الفلسطينيين.
أكد النمورة أنَّ الخطة الإسرائيلية تعنى تدمير قطاع غزة وارتكاب مجازر كبيرة فى المدينة لا مثيل لها.
طالب متحدث فتح العالم والمجتمع الدولى ومجلس الأمن والإدارة الأمريكية بمنع تنفيذ الخطة الإسرائيلية، حرصًا على حقوق الشعب الفلسطينى الذى يتعرض لإبادة مكتملة الأركان.
اجماع عالمى ضد إسرائيل
دولياً يشهد العالم موجة رفض واستياء غير مسبوقة من دول وحكومات عديدة تدعو نتنياهو للعزوف عن القرار.
قال رئيس وزراء أسكتلندا إن قرار إسرائيل الاستيلاء على مدينة غزة يصعّد الصراع ويفاقم معاناة الفلسطينيين وهو أمر مرفوض، مشدداً على ضرورة ضغط المجتمع الدولى على إسرائيل بوقف إطلاق النار.
كما قالت وزارة الخارجية الصينية ان هناك مخاوف جدية بشأن خطة إسرائيل للسيطرة على غزة، داعيه إسرائيل لوقف أعمالها الخطرة فوراً.
من جانبه قال رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، إن قرار إسرائيل بالسيطرة على قطاع غزة «خاطئ»، داعيا الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة النظر فيه.
شدد ستارمر على أن هذا الإجراء «لن يسهم فى إنهاء الصراع أو ضمان إطلاق سراح الرهائن، بل سيؤدى إلى مزيد من سفك الدماء».
فيما دعت وزيرة الخارجية الأسترالية، بينى وانج، إسرائيل إلى التراجع عن خططها لفرض السيطرة العسكرية على قطاع غزة، محذّرة من أن الخطوة ستفاقم الكارثة الإنسانية فى القطاع.
قالت وانج فى بيان: «تدعو أستراليا إسرائيل إلى عدم السير فى هذا الطريق الذى سيؤدى إلى تفاقم الكارثة الإنسانية فى غزة»، مؤكدة أن التهجير القسرى الدائم يمثل تحدياً كبيراً للقانون الدولي.
جددت الوزيرة الأسترالية دعوتها لوقف إطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، والإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس منذ أكتوبر 2023.
شددت وانج على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم، من خلال إقامة دولة فلسطينية ودولة إسرائيل، تعيشان جنباً إلى جنب فى أمن وسلام داخل حدود معترف بها دولياً.
رغم عدم انضمام أستراليا حتى الآن إلى دول غربية مثل بريطانيا وكندا وفرنسا فى إعلان نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، قالت وانج إن بلادها ستتخذ قرارها «فى الوقت المناسب»، فى وقت صعّدت فيه كانبرا انتقاداتها لسياسات إسرائيل فى غزة.
فى تطور آخر، أعلن المستشار الألمانى فريدريش ميرتس، أن برلين لن توافق على أى صادرات عتاد عسكرى إلى إسرائيل يمكن استخدامها فى قطاع غزة حتى إشعار آخر، فى أعقاب قرار الحكومة الإسرائيلية باحتلال غزة.
أعرب المستشار الألمانى عن قلقه «البالغ» إزاء استمرار معاناة السكان المدنيين فى قطاع غزة، لافتاً إلى أن مفاوضات وقف إطلاق النار، والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين تمثل أهم الأولويات للحكومة الألمانية.
وحث المستشار الألمانى الحكومة الإسرائيلية على عدم اتخاذ أى خطوات أخرى نحو ضم الضفة الغربية.
من جانبها قالت النائبة الديمقراطية الأمريكية نيديا فيلاسكويز، إن خطة نتنياهو فى قطاع غزة لن تجلب سوى المزيد من المعاناة.
أضافت النائبة الديمقراطية الأمريكية، أن استشهاد أكثر من 60 ألف فلسطينى وتفشى المجاعة بغزة لن يضمنا سلامة الإسرائيليين أو الفلسطينيين، وعلى الولايات المتحدة أن توقف تمويل هذا العنف وأن تبذل كل ما فى وسعها لإنهاء الحرب بغزة، وفقًا لعدد من وسائل الإعلام الأجنبية.
فى السياق طالب مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان، فولكر تورك بالوقف الفورى لخطة إسرائيل للسيطرة العسكرية الكاملة على غزة.
حذّر المسئول الأممي، عبر منصة «إكس»، من أن خطة الاحتلال الإسرائيلية ستؤدى إلى مزيد من «النزوح القسرى الجماعي، والقتل، والمعاناة البشعة»، مطالباً إسرائيل بالسماح بتدفق المساعدات الإنسانية بالكامل، ودون قيود إلى غزة.
أكد تورك أن فرض إسرائيل سيطرتها العسكرية على غزة يتعارض مع قرار لمحكمة العدل الدولية بضرورة إنهاء إسرائيل الاحتلال بأسرع ما يمكن.
بينما أدانت وزارة الخارجية التركية قرار الحكومة الإسرائيلية السيطرة الكاملة على مدينة غزة بشمال القطاع.
طالبت الخارجية التركية، المجتمع الدولى بتحمل مسئوليته ومنع تنفيذ هذه الخطة، وعلى مجلس الأمن الدولى اتخاذ قرارات ملزمة ضد إسرائيل».
كما أعربت وزيرة خارجية فنلندا، إلينا فالتونين، عن قلق هيلسنكى البالغ إزاء المجاعة فى قطاع غزة، آملة فى الوصول إلى وقف فورى لإطلاق النار فى غزة، والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين.