من المؤسف أن تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى فى كل البلاد العربية صور موائد الأثريــاء والقادرين ماديــاً وعليهــا ما لذ وطاب من صنوف الطعام، كما انتشرت صور حفلات الطعام التى يعدها البعض هنا وهناك للتعبير عن حفاوتهم بضيوفهم أو بهدف الفشخرة.. يحدث هذا للأسف فى وقت يعانى فيه إخوان لنا فى غزة من جوع قاتل ومن حرمان من كسرة خبز وشرب ماء مما دفع كثير من المواطنين العرب إلى إدانة فشخرة موائد طعام القادرين والسخرية منهم فى ظل حرب التجويع القذرة التى يمارسها الصهاينة المجرمون والتى لم يشهد تاريخ الإنسانية لها مثيلا.
مشاهد وفيديوهات موائد الطعام لا يتوقف حولها الجدل، وتتنوع بشأنها التعليقات، وتتعدد لها الانتقادات.. وهنا تبرز تساؤلات عدة أهمها:
ما موقف الشرع من هؤلاء الذين يحرصون على إقامة موائد طعام للأهل والأصدقاء وزملاء العمل وغيرهم؟ وهل تعاليم الدين وتوجيهاته تسمح بتداول صور موائد الطعام بين الناس على مواقع التواصل الاجتماعى ليراها الغنى والفقير؟ وما تأثير ذلك على مشاعر الفقراء الذين تحول قدراتهم على تلبية نداء بطونهم وشهوات الطعام بداخلهم وهم يرون فى هذه الموائد كل صنوف الطعام؟
لا شك أن إطعام الطعام من أفضل الأعمال إلى الله -عز وجل- والفضل هنا لا يقتصر على إطعام الطعام للفقراء، فالطعام الذى يقدم للأهل والأصدقاء والجيران وزملاء العمل وعابرى الطريق لصاحبه أجر عظيم لو أخلص النية وكان ذلك لوجه الله سبحانه وتعالى.. لذلك يحث كبار العلماء الأغنياء ومحدودى الدخل على التسلح بهذه الفضيلة التى تجسد سخاء الأنفس، والكرم فى التعامل مع الناس، والرغبة فى مودتهم والتواصل معهم.
لكن التعامل مع الطعام له آداب، والحرص على هذه الآداب يعد من الفضائل التى يحث عليها ديننا، فالمسلم يحترم نعم الله كلها، ويقدرها حق قدرها، وأول الآداب التى ينبغى على الإنسان أن يحرص عليها فى طعامه وشرابه هو عدم الإسراف، أى يأخذ كل إنسان من هذه النعمة بقدر حاجته وليس على قدر طاقته المادية.. فالثرى مثلا ليس مسموحا له بالإسراف، وإهدار نعم الله بحجة أنه يمتلك المال، لكنه يأكل ما تشتهيه نفسه، ملتزما بحد الاعتدال، والبعد عن المحرمات والله سبحانه وتعالى هو الذى وضع هذا الضابط الأهم فى التعامل مع الطعام والشراب فقال عزوجل:» وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين».. فالاعتدال مطلوب فى كل شىء وخاصة الطعام والشراب.
كما حث الإسلام على عدم التباهى بالطعام احتراما لنعمه أنعم الخالق بها أولاً، واحتراما لمشاعر الفقراء ثانياً، فالطعام ليس وسيلة للتباهى والتفاخر بين الناس.
يقول العالم الأزهرى د.نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء ومفتى الجمهورية الأسبق: ليس من أخلاق الإسلام تصوير موائد الطعام وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعى من باب التفاخر والرياء، فالطعام وإن كثر وتنوعت أصنافه- نعمة نشكر الله عليها ولا نتباهى بها، وإذا كان الهدف من موائد الطعام تقوية أواصر المودة بين الناس، فالمودة تتحقق بالحفاوة والمشاعر الطيبة، وحسن الاستقبال، وليس بكثرة الطعام أو نوعيته.
يضيف عالمنا الكبير: نشاهد كل يوم صور الجوعى والمحرومين من أبسط الطعام فى غزة ونسمع ونقرأ ونشاهد صور بعض الذين فقدوا حياتهم بسبب الحرمان من الطعام والشراب داخل غزة ولذلك ليس من المروءة أن نصور موائد طعامنا ونعرض صور ومشاهد حفلاتنا التى تتضمن كل صنوف الطعام والشراب وما فيها من إسراف سيحاسبنا الله- عز وجل- عليه.
>>>
إذا كانت موائد الطعام فضيلة تتجسد فى مجتمعاتنا العربية أكثر من أية بيئة أخرى، فهناك ضوابط أخلاقية رسخها ديننا ومن هذه الضوابط: أن تجود النفس بالثمين المحبب إليه قال تعالى: «يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم».
يقول تعالى: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون».. وهذا يعنى أن يقدم الإنسان أشهى الأطعمة لضيوفه- كل على حسب قدرته- دون تفاخر بذلك ودون منٍ على ضيوفه سواء أكانوا من الأغنياء أم الفقراء.. وفى كل الأحوال ليس من المرغوبات الشرعية تصوير موائد الطعام وعرضها على مواقع السوشيال ميديا لأن ذلك يجرح مشاعر من يقدم لهم الطعام.
>>>
الكرم فى إطعام الطعام لا يعنى التفاخر بالطعام، وهذا الكرم والسخاء ليس مقتصراً على حالة اليسر فقط، ولا على الأغنياء وحدهم بل هو سجية تسكن كل النفوس الطيبة، تتضح معالمه وتبدو قيمته فى حالة العسر، وحين تمتد يد الفقراء به الذين وصف صنيعهم الخالق بقوله:» ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».
من هنا يجب حث الناس على التمسك بفضيلة إطعام الطعام وأن يوضح علماء الإسلام ودعاته لهم ضوابطه الشرعية، وهنا أمر مهم ينبغى أن ينتبه له الجميع وهو ألا يمن الغنى على من يطعمهم أو تفخيمه مبطل له، يقول الله تعالى: «يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر».