الجمهورية الجديدة لا تعرف الإقصاء فالجميع تحت مظلتها ينعمون بحقوقهم التى كانت غائبة.. وقديما كان ذوو الهمم يتعرضون لعذاب نفسى قاس ومزدوج فى الوقت ذاته.. عذاب التنمر من بعض عناصر المجتمع الذين لم يرحموا الابتلاء الذى يعانيه ذوو الهمم، إضافة إلى وجود عوائق تحول دون اندماجهم فى المجتمع.. ولذلك لم يكن مستغربا أن نجد الرئيس عبدالفتاح السيسى يحتضن تلك الفئة من أبناء مصر فى مشاهد إنسانية حقيقة تفيض محبة صادقة وإعلانا لكل من لديه طفل من ذوى الهمم بأن عصر التفرقة انتهى بتشريعات قانونية صارمة تقضى أن يصبح ذوو الهمم جزءاً من النسيج المجتمعى.
الجامع الأزهر الشريف وإمامه الأكبر فضيلة الدكتور أحمد الطيب ضرب مثلا فى عنايته ورعايته لذوى الهمم وتحقيق أحلامهم فى حفظ ودراسة كتاب الله تعالي، حيث خصص لهم الرواق العباسى بالجامع الأزهر يومين كل اسبوع ليصبح مكانا مأمونا لذوى الهمم لتحقيق أمانيهم فى حفظ كتاب الله تعالي، على يد متخصصين محترفين فى التعامل معهم..فقد أصبح الحلم حقيقة بعدما كانوا يتعرضون للتنمر نتيجة رغبتهم حفظ كتاب الله تعالي
وحينما تطالع ذوى الهمم فى رحاب الأزهر الشريف ترى السعادة تنطق من وجوههم رغم مشقة الطريق وحضورهم من مسافات بعيدة، إلا أنهم يرددون بنبرة صوت ملائكى إننا نسير إلى طلب الجنة فى أعظم مساجد الله فى الأرض بعد المساجد المقدسة الثلاث، وبلغت المحبة بهم درجة رفضهم الاكتفاء بيومين فى الأسبوع ويشعرون بالحزن يوم الإجازة مما جعل أمهاتهم يطالبون بضرورة الحفظ وتكرار الآيات حتى وإن لم يتمكنوا الذهاب إلى المسجد وذلك منذ شهرين فقط عندما بدأت المحاضرات، وقد قرر فضيلة الإمام الأكبر منحهم مكافأة للملتزمين منهم بالحضور تشجيعا لهم.
بداية القصة من عند رباح بدوى صاحبة الطلب الذى تقدمت به إلى الإمام الأكبر شيخ الأزهر حيث كانت شقيقتها رضوى من ذوى الهمم وهى لاعبة «تنورة» وبطلة قادرون باختلاف وحضرت العديد من المهرجانات الدولية واطلقت مبادرة عنوانها «العيد أحلى مع رضوي» وفكرة مبادرتها أن يتجمع ذوى الهمم فى صلاة عيد الفطر، ثم قامت بإحضار الحلوى والألعاب لهم، ورفض إمام المسجد ان تكون الصلاة داخل المسجد، وخصص مكاناً لهم بالساحة الخارجية، وعقب انتهاء الصلاة أطلق المصلون الألعاب النارية، وعندما رأها ذوى الهمم أصيبوا بالذعر واطلقوا الصرخات، والتشنجات والكهرباء الزائدة نتيجة خوفهم الشديد خاصة مع الأصوات المرتفعة، وكان هذا اسوأ عيد مَرَّ عليهم.
بعدها تقدمت رباح بطلب إلى فضيلة الإمام الأكبر تطالبه السماح لذوى الهمم أداء صلاة عيد الأضحى فى المسجد الأزهر، ووافق الإمام الأكبر وقام بشراء حلوى وألعاب لهم من بيت الزكاة، وقام بتكليف دكتور هانى عودة مدير الجامع الأزهر استقبالهم خلال تواجدهم فى المسجد منذ الواحدة صباح يوم العيد بالرواق العثماني، وكان جميع إدارى المسجد يذللون لهم أية عقبة، وحضر وقتها قرابة 200 طفل لهم إعاقات مختلفة ما بين حركى وذهنى وفكرى وشلل دماغى وقِصَرِ قامة.
مشيرة أنه بعد انتهاء صلاة العيد تقدمت بطلب جديد للإمام الأكبر راجية تخصيص رواق لذوى الهمم لحفظ القرآن الكريم، وقد وافق على الطلب، ومنذ هذا الوقت فإن الأطفال يحضرون الرواق العباسى يومى الإثنين والخميس من كل أسبوع لحفظ القرآن الكريم.
«الجمهورية « التقت ذوى الهمم حيث أوضحت ساندى محمد 11 سنة متلازمة داون إعاقة ذهنية أنها حضرت منذ شهرين لحفظ القرآن الكريم، وقد حفظت حتى الآن سور: الفلق، والناس، والقارعة، والإخلاص، وترغب فى ممارسة ألعاب القوى وأن تؤدى العمرة حتى تدعو لجدتها بالرحمة، ورغم أنها تقيم فى كرداسة إلا أن والدتها تقوم بإحضارها مرتين فى الأسبوع غير عابئة بمشقة المواصلات ولا ارتفاع أسعارها، لأنها وجدت فى الجامع الأزهر متخصصين فى التحفيظ يتمتعون بالرأفة والرحمة.
إيمان أشرف 8 سنوات إعاقة ذهنية حضرت LU والدتها التى تقول إنها كانت تبحث لها عن مسجد أو حضانة حتى تتمكن إيمان من حفظ القرآن منذ كان عمرها عامين، وبسبب تنمر الأطفال عليها نتيجة صعوبة النطق أصيبت بحالة نفسية وتشنجات، وفقدان للرغبة فى الذهاب إلى أى مكان، ولكن عندما جاءت إلى الجامع الأزهر وجدت تحسناً فى مستوى النطق، وحرص على قراءة القرآن فى أى مكان، وبلغت محبتها للجامع الأزهر أنها تطلق عليه مسمى «الكعبة».
روان محمد 23 سنة مصابة متلازمة داون وحاصلة على دبلوم صنايع قسم زخرفة كانت تبحث عن شيخ لتحفظ على يديه القرآن الكريم، وانطلقت والدتها باحثة عن قارئ للقرآن يستطيع أن يساعد ابنتها فى أن تكتسب شجاعة وثقة وهدوء نفسيا وروحياً حتى وجدت ضالتها فى الرواق العثمانى بالأزهر الشريف، وحينها انطلق لسانها بالفصاحة وتغيرت شخصيتها بصورة كبيرة، مشيرة إلى أنها عقب حصولها على دبلوم الصنايع قسم زخرفة تقدمت بأوراقها الى كلية التربية جامعة عين شمس وتم رفضها بسبب متلازمة داون، رغم أن اعاقتها الذهنية بسيطة وتعد تحت بند صعوبات التعلم إلا أنها تستطيع القراءة والكتابة وتتعرض للتنمر كثيرا بسبب ملامحها التى تظهر عليها أنواع الإعاقة على الوجه، ومنذ حضورنا الجامع الأزهر وجدنا أئمة مدربين على السلوك الإنسانى قبل اتقانهم تلاوة كتاب الله تعالي، مما أسهم فى الارتقاء النفسى للأطفال من ذوى الهمم، وهذه التجربة يجب الإفادة منها.
فيما أوضحت والدة روضة خالد أحد قصار قامة 9 سنوات بالصف الرابع الابتدائى وروان خالد إعاقة ذهنية 16 سنة دبلوم تجارة نظام الـ 5 سنوات أن بناتها عند ذهابهن إلى أى مسجد لحفظ القرآن يتعرضن للتنمر من أقرانهن مما تسبب فى عدم حرصهن على حفظ كتاب الله تعالى مما جعل روضة وروان يرفضان حفظ كتاب الله تعالى وهذا تسبب لى فى ألم نفسى شديد خاصة أن سلوكيات روضة وروان كانت تنضبط حال سماع صوت الشيخ المنشاوى فى إذاعة القرآن الكريم، ولكن ماذا أفعل حتى وجدت الرواق العثمانى فى الأزهر الشريف فأسرعت إليه ووجدت تجربة عبقرية لا تعرف الخطأ حيث تمتاز بالسلوك النفسى والمعرفى قبل مناهج التحفيظ، فيمكننا القول إنها تجربة تقوم على التحفيز قبل التحفيظ.
مشيرة إلى أنه عند معرفتها بأن يوجد تحفيظ لذوى الهمم فى الجامع الأزهر كانت تعتبر ذلك طاقة نور جديدة لبناتها حتى يحققن الحلم فى حفظ القرآن الكريم، حيث تحضر من شبرا الخيمة، ورغم المسافة فإن لدى بناتها رغبة فى الحضور يوميا، وهذا ناتج عن المعاملة الراقية، وهذا غريب جدا من روان التى أصيبت بالكهرباء الزائدة فى سن 12 عاماً بسبب التنمر، وظلت تعالج 3 سنوات، كما أن زميلاتها فى المدرسة كسروا تليفونات بسبب التنمر اللفظي، بينما روضة اختها تلعب سباحة وترغب فى تعلم كل مهارة وتحلم أن يكون لديها براند للاقزام وتفتح مؤسسة لهم، وهى تدرس فى مدرسة حكومية وترفض ان تكون من طلاب الدمج ومستواها مميز فى الدراسة.
قالت والدة فاطمة وليد رجب من شبرا الخيمة 12 سنة تعانى «فرط حركة» إنها استطاعت أن تحفظ من سورة الناس حتى سورة البلد، وأنها عازمة على حفظ كتاب الله تعالى كاملا، موضحة مدى تعلقها بالجامع الأزهر درجة أنها تبكى يوم الاجازة لحرصها على الحضور، كاشفة أن اعاقتها استلزمت منها إجراء 25 عملية جراحية فى العمود الفقرى والقدم والنخاع وقامت بتركيب شرائح ومسامير، وصمام فى المخ، وأنهاحينما بلغت سن 7 سنوات ذهبت لمسجد مجاور لمسكنها حتى تحفظ كتاب الله تعالي، لكنها تراجعت سريعا عن فكرتها بسبب التنمر، وحينما علمت بنبأ الجامع الأزهر أسرعت للمشاركة وسط أئمة يعرفون معنى الإنسانية، وهذا ساعدها على التميز فى كتابة الشعر، ولعب تنس طاولة بمركز شباب الجزيرة، وتحلم أن تكون اعلامية.
أنس رضا أحمد 14 سنة إعاقة سمعية عندما سمعت والدته عن تحفيظ القرآن الكريم لذوى الهمم بالجامع الأزهر أسرعت بالمشاركة ونتيجة محبته للقائمين على مهمة التحفيظ يستيقظ منذ الفجر ويرتدى ملابسه ويجلس منتظرا أن تستيقظ والدته بل ويستعجلها حتى تصحبه ليحضر بالجامع الازهرويحفظ القرآن الكريم، درجة أن شقيقه وهو من الأصحاء حينما سمع عن أنشودة المحبة من مشايخ الجامع الأزهر قرر الحضور معنا ليحفظ كتاب الله تعالي، ولا استصعب الوصول حيث إننى أحضر من باسوس مدينة القناطر
تقى إعاقة كهرباء زيادة حينما علمت والدتها أن الجامع الأزهر يوفر مكاناً لذوى الهمم لحفظ كتاب الله تعالى أسرعت بالمشاركة نتيجة رفض ابنتها الذهاب إلى مكاتب التحفيظ الخاصة لأنها تحتاج معاملة خاصة تعتمد على اللين والصبر، وبعدما ذهبت إلى الأزهر وجدت اختلافا كاملا من حيث المنهج السلوكى والتعامل من قبل المشايخ ، مشيرة أنها لم تكن تعلم بمرض ابنتها إلا مع دخول المدرسة بسبب تأخرها فى التحصيل الدراسي، وبعد حصولها على الإعدادية المهنية جلست فى المنزل 5 سنوات ولم تخرج إلا على الجامع الأزهر ومنذ ذلك الحين وهى تود أن تبيت فى أروقته لشدة محبتها لكل تفاصيله.
ياسين إسلام 6 سنوات مصاب بجلطة فى المخ ولدية نسبة توحد والدته تؤكد مدى السعادة التى يعيشها والاستقرار النفسى والسلوكى بعدما استطاع الأزهر الشريف أن يساعدها فى تنمية ولدها سلوكيا
الحاجة صالحة 59 سنة تحرص على اصطحاب نجلتها أية دهمان 28 سنة تعانى ضمور فى المخ وإعاقة ذهنية، وقد بلغ حرصها درجة حضورها من مدينة السلام إلا أنها تشعر براحة نفسية كبيرة رغم عدم قدرتها على المشى لتعب قدميها الا ان التغيير الذى طرأ على ايه جعلها تتحامل على نفسها وتحضر، فقد استطاعت سلوكيات مشايخ الجامع الأزهر فى الارتقاء بالحالة النفسية لابنتها مما جعلها تقوم باستعادة نشاطها الرياضى فى رفع الاثقال، إضافة إلى نشاطها الأدبى مما ساعدها على أن تحصل على لقب شاعرة النيل وسفيرة الشعر العربي، وقد هجرت الهاتف المحمول لتستمع الى القرآن كما أنها تكتب الآيات القرآنية بالتشكيل.