أسفل الكبارى وفى الساحات العامة، الشوارع، الميادين، الحوارى وحتى الأذقة، نجد الكلاب الضالة «متربعة على عروشها» تأكل وتتكاثر كيفما تشاء وتنتشر فى الأرجاء بشكل سريع وملحوظ وتتجول بين الناس بعفوية وتنبش فى القمامة بحثًا عن أكلها وتلاحق كل شخص يطعمها، وفى هذا الوقت قد تبدو مزعجة للبعض لكنها تحمل فى عينيها طيبة وفطرة نقية من الإخلاص مما يجعلها رفيقًا عاطفيًا مميزًا رغم قسوة الشارع والجوع والخوف.
رغم انطلاق هذه الكلاب فى كل مكان بأشكالها المخيفة إلا أنها مستمرة فى لقب «الصديق الوفى» والكثير منها يظل بفطرته لمن يحسن إليها، فى أوقات كثيرة يكونوا هم الحراس للمحلات أو للمنازل وللأشخاص فى أحيان كثيرة نتيجة لتعود هذه الكلاب على البقاء بجوارهم، ونرى أغلبها يقوم برد الجميل لمن أطعمه فترافقه فى طريقه للمسجد لأداء صلاة الفجر أو تقف عند مدخل بيته فى الليل لحمايته من الغرباء، وفى بعض الحالات نشاهدها تبكى وتنوح عند فقدان شخص كان يحتويها أو تنتظره فى المكان نفسه أيامًا وشهوراً بعد غيابه.
بخلاف الجانب العاطفى المؤثر، فإن انتشار الكلاب الضالة فى الشوارع كارثة مرتقبة، حيث نجدها فى بعض الأحياء تتحول إلى خطر حقيقى على المارة وخاصة الأطفال وكبار السن الذين يخافون بطبعهم، وهناك حالات مسجلة «هجوم جماعى على الأطفال فى بعض المناطق» أدت إلى إصابات خطيرة، كما أنها تسبب إزعاجًا ليليًا بنباحها وتعكر صفو الحياة الهادئة، وتساهم فى تلويث الأماكن العامة، بالإضافة إلى ذلك احتمالية نقلها للأمراض مثل السعار، ما يجعل وجودها تحديًا صحيًا واجتماعيًا.
هنا نقع بين العطف والحزم وتختلف آراء الناس فى كيفية التعامل مع الكلاب الضالة فمن جانب يراها البعض ضارة ومؤذية وضرورى التخلص منها حرصًا على السلامة العامة، بينما يشير آخرون إلى حلول إنسانية على سبيل المثال جمعها فى ملاجئ مناسبة لها بعيداً عن الأحياء السكنية، و تعقيمها، وتوفير أكل وشرب لها، مثلما يحدث فى بعض الدول، التى نفذت برامج ناجحة للسيطرة على أعداد الكلاب الضالة دون اللجوء إلى العنف من خلال التعاون بين الجهات المعنية مثل وزارة البيئة والمحافظة «البلدية» والجمعيات البيطرية وغيرها.
فى النهاية الكلاب الضالة ليست مؤذية ولا شريرة بطبيعتها، بل ضحية الاهمال فى الشوارع والتكاثر غير المنظم، ومع ذلك لا يمكن تجاهل الخطر القريب الذى قد تُشكله فى أى لحظة والخطر البعيد فى انتشارها وبين الوفاء الفطرى الذى تحمله، والعناء الذى قد تسببه.. يبقى المطلوب هو حل متوازن يراعي البيئة الاجتماعية التى يعيش فيها الطرفان ويجمع بين المسئولية والرحمة فهذه المخلوقات لا تختار الشارع أين تعيش ولكننا نحن من نحدد ذلك.