أغسطس شهر الحر والفيضان.. فى السنوات قبل الأخيرة انستنا القناطر والسدود وخاصة السد العالى الفيضانات وحكاياتها الا قليلا.. وبقى اغسطس بموجاته الحارة ولفحاتة شديدة الحرارة بل والحارقة وركب الناس هما اخر وهو المصايف والتوجه نحو شواطئ البحار..
الفيضانات تحمل الخير دائما حتى رغم ما قد يصاحبها احيانا من ضرر فهى تغمر الارض والناس بالخير وكلما كان الفيضان غزيرا كلما كانت البشارات بالخير الوفير اكثر حيث تكثر الراعات وتزدان مواسم الحصاد وتمتلئ خزائن البيوت بالخيرات .. وكذا خزائن الحكومات وبيوت المال فقد كانت بعض الحكومات تنتهز الفرصة وترفع قيمة الضرائب والمكوس عند زيادة الفيضان وفى المقابل كان الفلاحون يطالبون بخفضها ايام الجفاف وندرة الفيضان..
يبدأ موسم الفيضان فى شهر أغسطس من كل عام وهو بداية السنة المائية الجديدة وتتوالى يوميا قياسات النيل من محطات الرصد المختلفة المصرية فى مصر والسودان واوغندا ايضا حتى تكون الاستعدادات فى المستوى المطلوب للمواجهة وحتى يومنا هذا تقوم ادارات الرى المختلفة بتنبيه الفلاحين فى القرى خاصة الواقعة اراضيهم قرب طرح النهر تحذر من ارتقاع الفيضان وضرورة توخى الحذر والبعد عن الشاطئ وحماية الزراعات ايضا بالسدود وغيرها..
للفيضان حتى ولو كان عاتيا فرحة.. والمصريون منذ القدم كانوا يطلقون صفة المبارك على الفيضان رغم انه يكون قاسيا فى بعض الاحيان حين يهدم البيوت ويغرق الزراعات..
الاخبار الواردة من بحيرة تانا الاثيوبية تؤكد ان فيضان هذا العام هو الاكبر ولم يحدث له مثيلا منذ خمسين عاما.. ويتوقع الخبراء ان تزيد حصة مصر والسودان بخمسين مليار متر مكعب..
المعروف ان الهضبة الإثيوبية هى المصدر الرئيسى للفيضان السنوى وتمثل 85 فى المئة من حصة مصر المائية التى يعد النيل الأزرق أهم روافدها إلى جانب الوارد من بحيرة فيكتوريا عن طريق النيل الأبيض الذى يمد مصر بـ 15 فى المئة من حصتها من مياه النيل وقد انتهى موسم الفيضان على فيكتوريا وكان جيدا جدا..
يشير الخبراء الى ان متوسط تدفقات النيل الأزرق تصل الي50 مليار متر مكعب كل عام وفى حالة الفيضان الغزير قد تصل التدفقات من 80 إلى 100 مليار حيث يمر النيل الأزرق بثلاث دورات كل 20 عاما الأولى يطلقون عليها السبع السمان ويكون هطول الأمطار غزيرا والثانية تكون نسبة هطول الأمطار متوسطة وتبلغ ست سنوات أما الدورة الثالثة فهى السبع العجاف التى تنخفض فيها نسبة تدفق المياه..
فرحة الفيضان هذا العام غير كل ما سبق سواء على المستوى الرسمى أو الشعبى.. كثير من الناس يعتبره جائزة كبرى من السماء وتكريم لمصر وشعبها الطيب الصابر المثابر.. وايضا ضربة للغطرسة والتطاول على النيل ومحاولات المساس به أو إعاقة حركته فى الطريق الى مصر..
المصريون لديهم يقين راسخ أن النيل يجرى من عند الله سبحانه وتعالى وبأمره وبالتالى لن تستطيع اى قوة على مر التاريخ ان تنال منه.. وفى حالات الجفاف او قلة الفيضان لم يكن يساورهم القلق الا قليلا حتى يفيض من جديد.. وهناك الكثير من الاشارات والعديد من الاثار تؤكد انه يجرى من الجنة وانه من افضل انهار الدنيا وانه من النعم التى تفضل الله تعالى بها على عباده من أهل مصرإلى الحد الذى يُعَدُّ معه خروجهم منها ومفارقتهم لنيلها من العقوبة التى يعاقبهم بها الله تعالى وفى ذلك حثٌّ على دوام شكر الله تعالى وحمده على ما امتنَّ به على مصر من نعمة نهر النيل.. ولعل فى هذا تفسير وتوضيح للقول الشائع عند العامة وغيرهم ان من يشرب من ماء النيل لابد أن يعود إليه مرة أخرى..
يقول المؤرخون ان سيدنا آدم عليه السلام أول من دعا لمصر بالرحمة والخصب والبركة والرأفة فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أنه قال: «لمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا شرقها وغربها وسهلها وجبلها وأنهارها وبحارها وبناءها وخرابها ومن يسكنها من الأمم ومن يملكها من الملوك فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة ذاتَ نهر جارٍ مادَّتُه من الجنة تنحدر فيه البركة وتمزجه الرحمة.
لذا سيظل النيل يجرى ويجرى يجرى ولو كره الحاقدون..
والله المستعان..