فى زمن تتراجع فيه القيم أمام سطوة المصالح، وتُختزل العدالة الدولية فى قرارات انتقائية تُصاغ خلف الأبواب المغلقة، جاءت لحظة رياضية عابرة فى نهائى كأس العالم للأندية الذى أقيم على الأراضى الأمريكية قبل منتصف الشهر الماضى لتعيد طرح سؤال قديم جديد: هل يمكن أن يكون العالم أكثر إنصافًا لو وُضع الضمير فى مقعد القيادة بدلًا من القوة؟
لعلنا نتذكر أن ترامب نزل إلى أرض الملعب بصحبة رئيس الفيفا، وصافح اللاعبين، وشارك فريق تشيلسى لحظة التتويج، مندهشًا من حرارة المشاعر، وصدق الفرحة، وروح العدالة التى تجلت فى كل تفاصيل المشهد.
فى تلك اللحظة، لم يكن رئيسًا لدولة عظمي، بل مجرد إنسان وقف فى قلب ميدان يعرف معنى التنافس الشريف، حيث لا تُشترى النتائج، ولا تُزور اللحظات، ولا تُفرض القوانين على المقاس.
رأى ترامب كيف يحصل كل فريق على حقه، لا على حساب الضعفاء، بل عبر بوابة الكفاءة، والانضباط، والالتزام بالقواعد. لم تُرجح كفة فريق لأنه مدعوم من قوة كبري، ولم يُظلم آخر لأنه ينتمى إلى دولة صغيرة.
يا تري، هل خطر فى ذهنه أن هذا هو النموذج الذى تفتقده السياسة الدولية؟
هل قارن بين عدالة التحكيم فى الملعب، وظلم القرارات الأممية التى تنحاز دومًا إلى الأقوياء؟
هل رأى أن إسرائيل ما كانت لتحتل أراضى الغير لولا الدعم الأمريكى الأعمي؟
وهل أدرك أن ما يتغنون به من قيم: كالديمقراطية، والحرية، والعدالة، يسقط حين يواجهون بها مصالحهم ومخططاتهم؟
ربما لم يحتج ترامب إلى كثير من المواعظ، بل إلى 90 دقيقة فقط، شاهد فيها كيف تُصنع العدالة حين تتساوى الفرص، وكيف تُحترم الحقوق حين تختفى الازدواجية.
ولعل تلك المباراة، وإن كانت مجرد رياضة فى ظاهرها، قد بعثت برسالة أقوى من آلاف الخطب والقمم والبيانات:
أن العالم لا يحتاج إلى مزيد من القوة… بل إلى قليل من الضمير.
لكن، وسط كل هذا المشهد، يثور سؤال ملحّ:
وماذا عن العرب؟ ماذا عليهم أن يفعلوا ليستعيدوا زمام المبادرة؟
الجواب لا يكمن فى خطب رنانة أو بيانات عاطفية، بل فى مشروع نهضة حقيقى يعيد بناء الإنسان العربى أولًا، بالعلم والعمل والانضباط.
ما يحتاجه العرب هو مشروع نهضة حقيقى لبناء الإنسان أولًا، بالعلم لا بالتلقين، بالعمل لا بالتمني، وبالانضباط لا بالشعارات. لا بد أن يتحرر العقل العربى من قيود الاتكالية، وأن يُستعاد الاعتبار للمؤسسات، والإرادة الشعبية، وحكم القانون. فالكرامة لاتُستجدي، بل تُنتزع بمواقف مسؤولة، والحق لا يُنال بالبكاء عليه، بل بقوة نابعة من وعى الشعوب واتحاد صفوفها.
إن الحق لا يُؤخذ بالرجاء، بل بالقوة المتحضرة التى تُبنى على وعى الشعوب ووحدة الصف وإرادة الاستقلال.. لقد آن الأوان أن ينتقلوا من مقاعد المتفرجين إلى قلب الملعب.. ليرفعوا أمة.
لقد آن الأوان أن يغادر العرب دكة الاحتياط ليركضوا نحو مستقبل تصنعه الأمم الحية بإرادتها، لا بما يُمنح لها من فتات المانحين.. لقد آن لهم أن يدركوا أن العالم يحتاج قليلًا من الضمير ومزيدا من العلم ومزيدا من الإنسانية.. وكفى ماينفق على الحروب والصراعات والأطماع..!!