رغم الارتفاع الطفيف الذى طرأ على سعر بعض الأدوية فى مصر .. فمازالت من أقل الأسعار عالميا .. فضل من الله للأعداد الغفيرة من المرضى .. ولكن رخص سعر الدواء فى مصر قد يمثل عبئا كبيرا على الجهات الأمنية للتصدى للمحاولات المتكررة والمتزايده من البعض لتهريب الدواء خارج البلاد بكميات كبيرة لتحقيق مكاسب مادية باهظة.
وتلتزم الدولة بمراقبة أسعار الدواء عبر التواصل المستمر مع شركات التصنيع والصيدليات، سعيا لضبط السوق وضمان استقرار الأسعار. إلا أن تقلبات السوق العالمية، سواء فى المواد الخام أو فى أسعار الأدوية المستوردة، قد تؤدى أحيانا إلى تحريك أسعار بعض الأدوية، فتبدأ الأزمات. فعندما تعجز شركات الأدوية عن توفير الدواء بالسعر الرسمى المحدد، تلجأ أحيانًا إلى حجب المنتج عن السوق لفترات تطول أو تقصر، ثم تعيده فى عبوة جديدة أو تحت مسمى مختلف، ولكن بسعر أعلي. هذه المناورات التجارية تتكرر كثيرا، وتؤدى إلى أزمات حقيقية، خاصة إذا لم يتوفر بديل لهذا الدواء. وفى مثل هذه الحالات، تتدخل بعض المؤسسات الصيدلانية الكبرى لسد العجز من خلال استيراد بدائل من الخارج، لكن بأسعار خارج سيطرة الدولة، وغالبا ما تكون مرتفعة بشكل مبالغ فيه.
ومن بين الأدوية التى تستدعى القلق حاليا، وتستوجب تحركا فوريا من جميع الجهات المعنية بالصحة العامة والدواء، هى أقراص الحديد . فهذا النوع من العلاج يعد من أكثر الأدوية طلبا واحتياجا للمواطن المصري، ويعتبر سلعة استراتيجية قومية، إذ يستخدم فى علاج الأنيميا الناتجة عن نقص الحديد، والتى تنتشر بشكل واسع بين الأطفال (بنسبة تصل إلى 50 ٪) والنساء (42 ٪) فى معظم محافظات الجمهورية، ومن مختلف الشرائح الاجتماعية. كما أن النساء الحوامل، لابد عليهم تناول أقراص الحديد مع حمض الفوليك طوال فترة الحمل والرضاعة لضمان النمو السليم للجنين. وبناء عليه، يمكن القول إن هناك أكثر من عشرة ملايين مصرى يحتاجون إلى تناول مركبات الحديد بشكل منتظم.
ورغم تنوع مركبات الحديد، فإن سلفات الحديدوز بتركيز 200 ملليجرام مع نسبة قليلة من حمض الفوليك تظل الأفضل والأكثر فاعلية. وقد كانت هذه التركيبة متوفرة بأسعار زهيدة فى الأسواق المصرية حتى سنوات قليلة مضت. لكنها بدأت فى الاختفاء تدريجيا، لتحل محلها مركبات جديدة ومعدلة كيميائيا، تباع بأسعار مرتفعة جدا، تحت مسميات متعددة، وبإدعاءات غير موثقة عن مزاياها.
والنتيجة المؤسفة أن السوق المصرى أصبح خالاً حاليا من مركبات سلفات الحديدوز الفعالة التى أثبتت جدارتها على مدى أجيال، والتى تعد الخيار الأمثل من الناحية الصحية والاقتصادية لعلاج أنيميا نقص الحديد لدى الأطفال والنساء، وكذلك للحوامل.
إن هذا الوضع خطير بالفعل، ويستدعى من الدولة الانتباه له بشكل عاجل، وفتح حوار جاد مع شركات الدواء القومية، بل وحتى مع مصانع القطاع الخاص، بهدف إعادة تصنيع أقراص الحديد الفعالة بأسعار مناسبة، تحقق هامش ربح معقول، وتضمن فى الوقت نفسه صحة ملايين المصريين. أقراص الحديد ليست مجرد دواء بل هى تمثل ضرورة صحية ومطلباً أساسياً للمواطن البسيط خاصة الأم والطفل .. ويجب ألا يترك رهينة مضاربات السوق وعلينا سرعة إعادة الدواء «القديم الفعال» ومنخفض السعر الى رفوف الصيدليات.