«إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا.. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص»
ابتلينا فى فترة من الفترات بوجه آخر للسينما والفنون بعد أفلام المقاولات التى خرجت عن المسار واستهدفت الربح المالى متجاهلة الرسالة والقيمة التى يجب أن تقدمها، واكتفت بما يدخل فى جيوب الصناع والمنتجين والممثلين من أموال فى خزائنهم وحساباتهم التى «تورمت» وانتفخت، وقد وجدوا فى «الانحراف» وسيلة سهلة للمكاسب الخيالية.
وقبل أن نخرج من هذه المحنة، أو حتى نتوقف عند حدود تلك الكارثة التى أصابت المجتمع، ظهرت أفلام البلطجة والعنف والذبح والقتل فى الشوارع على مرأى ومسمع من الجميع، وصورت الحياة كأنها غابة والناس وحـوش يأكل بعضــهم بعضا، لا قانون ولا أخلاق، والكلمة للقوى الظالم، ولاعزاء للضعفاء، وتجاهلوا القيم واستبعدوها من تلك الأعمال التى أطلقوا عليها زورا وبهتانا أنها فنية، بينما هى خلاف ذلك تماما ولا علاقة لها بالفن الذى يعمل على تقويم السلوك وإصلاح الاعوجاج، لا مدح النماذج السلبية والسيئة، والتى بكل أسف وألم كانت هى القدوة للكثير من الشباب الذين قلدوها فى تصرفاتهم وسلوكياتهم، حتى فى حلاقة شعرهم، وملابسهم الممزقة بعد استيراد هذه الموضة التافهة الخليعة من الخارج، بل وطريقة المشى والكلام ولغة الحوار التى تدنت إلى أدنى مستوى، وأصبحت المفردات المستخدمة من قاموس لم نعرفه، يخرم آذاننا وأبصارنا، ونحن غير قادرين على التصدى لها، لأننا سنكون «دقة» قديمة، أو أن زماننا قد ولّى، ويجب أن «نخرس»، وجعلتنا هذه الصورة المشوهة المسخ من الفن نعتذر لما كانت أجيالنا ترفضه من قبل، مثل «السح الدح امبو»، «والطشت قاللى»، و«يا شبشب الهنا».
توهمنا أن هذا نهاية المطاف وأدنى هوة من الانحدار الأخلاقى، إلا أن ما خفى كان أعظم، فمع أحداث 25 يناير، كانت الطامة الكبرى، كشفت عن الخونة والمتأسلمين وتجار الدين والوطنية ومدعى الشرف، وبكل أسف أخرجت أسوأ ما فينا، وظهر معدن غث ليس من صفاتنا، طفح من السلوكيات والتعاملات والتجاوزات، كأننا خلعنا الأقنعة التى كنا نضعها على وجوهنا، وكأن ما كنا نتعامل به من خلق ودين وأدب كان مصطنعا مزيفا، وظلت هذه الصورة لسنوات ومازالت بقاياها حتى الآن، نعانى من آثارها ونكتوى بنيرانها، ورغم مرور كل هذه السنين لم نستطع استرجاع الشهامة المتأصلة فى جينات المصريين، ولا العودة للأخلاق الحميدة الرفيعة التى كنا عليها ولا صفات «أولاد البلد» التى نتباهى بها على الدنيا كلها.
وبناء على مبدأ «القادم أسوأ»، وجدنا فعلا أنه صحيح، وجاءت الطامة الكبرى، مع شيوع استخدام الانترنت، وظهور مواقع التواصل الاجتماعى، فانحرفنا بها عن استخدامها الصحيح، واتجهنا إلى الألعـــاب التــافة والمواقــع الإباحيــة، وأهملنا ما تتميز به من علوم ومعلومات وبحوث وتقدم تتبارى الأمم فى الاستفادة منه والسباق نحو الفضاء وغير ذلك، وما أن ظهر التيك توك وانستجرام والتطبيقات التى تعطى أمولا للنشطاء، حتى انفجرت ماسورة «المجارى»، من مشاهد التعرى والقبيح والردح والكذب، ولأن هذه النوعية تزيد المشاهدات ومعها المكاسب الجنونية وانهالت عليهم الدولارات، وخرج من أطلق عليهم «مؤثرون» بكل السوءات ليتصدروا المشهد ويصبحوا نجوما ومشاهير، بعدما خرجوا من القاع، وتجاوزوا الخطوط الحمراء من الأخلاق والدين، وتسابقوا فى مضمار التدنى والرذائل، أيهم يكون أكثر قبحا وكذبا وتزويرا واختلاقا للبهتان، وأصبح هؤلاء أكثر من الهم على القلب، يخرجون لنا رغم أنوفنا ويقتحمون هواتفنا بلا اختيار.
وما أسوا من أولئك إلا من خرج من آبائهم وأمهاتهم، يدافعون عنه، يؤيدون بناتهم ويدعمونهن ويدفعونهن لهذه الرذائل بلا حمرة خجل، وهم يرونهن يعرضن أجسادهن وخلاعتهن على الجميع، وينفون عنهن الاتهامات، و«إذا كان رب البيت بالدف ضاربا.. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص».
فى الحقيقة، نحن فى موقف مجتمعى غاية فى الصعوبة، مع غياب تام لدور المسجد والمدرسة والأسرة والمصلحين وفقدان القدوة الطيبة والأسوة الحسنة، نحتاج لوقفة حاسمة وثورة إخلاقية إصلاحية، فبجانب تطبيق القانون والضرب بيد من حديد ومعاقبة تلك النماذج المفسدة، نريد حماية الآخرين من هذه التيارات الغاشمة الماحقة المدمرة، اليوم قبل الغد دون مماطلة أو هوادة، إنه مستقبل الأمة ولا يحتمل التسويف.