أول أدواره السينمائية وكيل نيابة فى «أنشودة الفؤاد»
وأخرس فى «الوردة البيضاء».. وآخرها جواهرجى فى «المذنبون»!!
منذ انطلقت السينما المصرية فى أوائل القرن الماضي.. ومع بدايات السينما الصامتة ثم الناطقة، تجد بجانب نجومها عدداً كبيراً من الوجوه السينمائية المألوفة والمعروفة عند الجمهور المصرى والعربى بمجرد ظهورهم على الشاشة وبرغم معرفة الجمهور بهؤلاء الفنانين عن ظهر قلب إلا أن أسماءهم بعيدة تماماً عن أذهان الجمهور ومن بينهم الفنان إدمون تويما الذى بمجرد ذكر اسمه يعتقد أنه اسم مخترع اجنبى أوموسيقار أو طبيب عالمى ، ولكن إدمون تويما هو فنان مصرى من أصل لبنانى ظهر فى العديد من الأفلام السينمائية القديمة واشتهر بأداء دور الخواجة الذى يتحدث اللهجة العربية بلكنة أجنبية على شاشة السينما المصرية، للدرجة التى جعلت الكثيرون يعتقدون أن أصوله ترجع لإحدى الدول الأوروبية ولإجادته ذلك الدور انحصرت معظم أعماله فى تمثيل دور الخواجة أو الجواهرجى الأجنبي.!!
وكان للأداء الراقى لأدمون تويما أثر لأن يترك بصمة عند الجمهور فى الأفلام التى شارك فيها رغم أن أدواره لم تتعد فى معظمها المشهدين أو الثلاثة مشاهد على الأكثر فى أفلامه وبالرغم أيضاً أن إدمون تويما لم يكن من نجوم السينما إلا أنه يعتبر أحد روادها لأنه ساهم فى تكوين السينما بترجمته وتحويل نصوص أجنبية لأعمال سينمائية ومسرحية .
ولد يوسف أدمون سليم تويما فى 10 ديسمبر عام 1897 بالقاهرة من أسرة لبنانية كانت تعيش فى القاهرة ووالده كان يعمل موظفاً فى الحكومة المصرية وكان اسمه مركباً يوسف أدمون بينما اسم والده سليم تويما مسيحى الديانة واشتهر فنياً باسم إدمون تويما وتعلم ودرس فى المدارس الفرنسية القريبة من ميدان رمسيس حيث كان يقطن هناك مع عائلته وأجاد اللغة الفرنسية بطلاقة حتى إن البعض اعتبره خواجة من بلاد الغرب ووصلت إجادته للغة الفرنسية كتابة وقراءة ونطقاً إن كان يكتب أدواره باللغة الفرنسية ثم يلقيها بتلك اللكنة الأجنبية.
«مدرس اللغة الفرنسية»
بدأ إدمون تويما حياته العملية كمدرس للغة الفرنسية وانجذب فى شبابه بالمسرح فانضم لفرقة إخوان عكاشة المسرحية ثم انضم لفرقة رمسيس المسرحية فى بداية تأسيسها عام 1923 ولعب أدوار تتفق مع شخصيته الطبيعية فى الحياة كشاب أجنبى من حيث المظهر والأداء ثم انتقل إلى العمل الإدارى فى الكواليس مع اثنين من رواد ومديرى المسرح محمد حجازى وعلى هلالى ليساهموا معاً فى إثراء المسرح بالنصوص الأجنبية العالمية بجانب الاطلاع على المسرحيات العالمية فى أصولها الأجنبية، خاصة ما كان ينشر منها فى مجلة «الليستراسيون» الفرنسية، وبعدها ضمه الفنان يوسف وهبى إلى لجنة التأليف والترجمة للاطلاع على ما يقدم إليها من مؤلفات وأعمال مترجمة وكانت تضم عزيز عيد وفتوح نشاطي.
كان إدمون تويما مخلصًا فى عمله ومحبًا للفن للدرجة التى جعلته كثير السفر إلى فرنسا، للإطلاع على النصوص المسرحية ومشاهدة العروض الجديدة خاصة المسرح التجارى لما فيه من نصوص كوميدية ويعود من كل رحلة محملًا حقيبته بالنصوص المسرحية الأجنبية التى يعكف على ترجمتها وتمصيرها وتقديمها باللغة العربية على مسرح رمسسيس ومع إنشاء الفرقة القومية عام 1935 انتقل اليها وعمل فى قسم الترجمة حيث كان يقوم بمراجعة المسرحيات الفرنسية المترجمة وعندما قام د.زكى طليمات فى عام 1944 بترجمة مسرحية «الوطن» للكاتب الفرنسى فيكتوريان ساردو، قام إدمون تويما بمراجعتها أيضا على الأصل الفرنسي، وأصبح شريكا فى ترجمة هذه المسرحية التى قدمت فى ذلك التاريخ على مسرح دار الأوبرا من إخراج زكى طليمات.
«نشيد الأمل»
ولم يكن أثر إدمون تويما فى السينما يقل عن أثره فى المسرح، إذ كان يعتبر مرجعا للسينمائيين فى اقتباس وتمصير الروايات الاجنبية، عن طريق مكتبته الخاصة الزاخرة بالكثير من تراث المسرح العربى والعالمى وأثناء ذلك ساعدته ثقافته وسعة اطلاعه على الأدب العالمى على كتابة قصة فيلم «نشيد الأمل» الذى اخرجه أحمد بدرخان عام 1937، وهو أول فيلم مصرى خالص من الناحية الفنية وأيضاً جميع العاملين به وقامت ببطولته كوكب الشرق أم كلثوم مع زكى طليمات وعباس فارس بعد فيلمها الأول التاريخى «وداد» عام 1936، كما كانت له تجربة واحدة فى الإخراج السينمائى عندما أخرج فيلم «كله إلا كده» عام 1936 بطولة ببا عزالدين ومحمد كمال المصرى «شرفنطح « وعبدالحميد زكي!!
وعلى الرغم من أن الفنان إدمون تويما معروف بتجسيده لدور الخواجة، إلا أنه لعب دور فلاح مرة واحدة فى حياته الفنية وذلك فى فيلم «أرض النيل» للمخرج عبد الفتاح حسن عام 194 وكان الفيلم من بطولة الفنان الكبير أنور وجدى وعقيلة راتب.
امتد عمل إدمون تويما فى الحقل الفنى لأكثر من نصف قرن ما بين مسرحيات وأفلام سينمائية حيث وصلت افلامه التى شارك فيها إلى أكثر من مائة فيلم إلى جانب العروض المسرحية لتصل مساهماته الى 150 عملا وكانت أول أدواره فى السينما المصرية لم ينطق حرفاً فيها حيث لعب دور الساكن الأخرس فى الفيلم الغنائى الشهير « الوردة البيضاء» أول أفلام محمد عبدالوهاب سنة 1932 أمام سميرة خلوصى وإخراج محمد كريم والذى به أشهر أغانى عبدالوهاب «جفنه علم الغزل» و»النيل نجاشي» وجاءت ثانى أفلام ادمون تويما فى فيلم «ياقوت» سنة 1934 بطولة نجيب الريحانى وقد لعب فيه دورا كبيرا بشخصية الشاب وهو الفيلم الوحيد الذى ظهر فيه الكاتب بديع خيرى ممثلاً حيث لعب دور العراف المغربى وهو أيضاً مؤلف قصة الفيلم وتم تصوير بعض أحداثه فى باريس سنة 1934.
«115 فيلماً»
كانت ملامح أدمون تويما الغربية ولكنته الأجنبية عاملاً هاماً لأن يظهر على الشاشة فى شخصية الخواجة، وبدأها بدوره فى فيلم انتصار الشباب عام 1941 الذى قام فيه بدور ناشر موسيقى أجنبى يذهب إليه بطلا الفيلم فريد الأطرش واسمهان وهما فى أول الطريق ليتيح لهما الفرصة لتسجيل صوتيهما على اسطوانات، فيتجاهل وجودهما، ويتركهما يغنيان وهو مشغول عنهما بمداعبة قطته وعلى الرغم من أن الفنان إدمون تويما معروف بتجسيده لدور الخواجة ببراعة ، إلا أنه لعب دور فلاح مرة واحدة فى حياته الفنية وذلك فى فيلم «أرض النيل» للمخرج عبدالفتاح حسن عام 1946 وكان الفيلم من بطولة الفنان الكبير أنور وجدى وعقيلة راتب .
واستمرت أعماله السينمائية والتى وصلت إلى 115 فيلماً يؤدى خلالها أدوار الخواجة والجواهرجى والجارسون ومدير التياترو منها : ياقوت، الوردة البيضاء، سلامة فى خير، الخمسة جنيه، مصطفى كامل، مغامرات اسماعيل ياسين، ظلمونى الحبايب، قلب فى الظلام، بلبل أفندي، حكاية حب، شارع الحب، الأيدى الناعمة، رحلة إلى القمر، أيام الحب، من أين لك هذا، نادية، عدو المرأة ، دعاء الكروان، نادية الذى قام فيه بدور مدرس لغة فرنسية عام 1969 وهو ما كان يمارسه حتى آخر أيام حياته مع الفنانين.
«المذنبون.. آخر أفلامه»
وكانت آخر أفلامه فيلم «المذنبون» عام 1975 وهو الفيلم الذى أثار أزمة فى مصر حيث تسبب فى أول محاكمة لموظفى الرقابة الفنية بأمر من الرئيس أنور السادات لموافقتهم على عرض هذا الفيلم، وبعد عامين من قرار وقف عرض الفيلم تكونت لجنة فنية رقابية برئاسة سعد الدين وهبة لإجازة عرض الفيلم من عدمه والطريف أنه بعد تلك الضجة التى صاحبته فاز الفيلم عام 1977 بجائزة أحسن فيلم فى المسابقة السنوية التى نظمتها وزارة الثقافة لأفلام العام، وفاز أيضا بجائزة أحسن إنتاج وأحسن سيناريو وأحسن قصة.
ويعتبر فيلم «المذنبون» – الذى لعب فيه دوره المعتاد الخواجة الجواهرجى – هو الفيلم الوحيد الذى شارك فيه بالتمثيل ولم يشاهده حيث رحل فى 5 أغسطس سنة 1975 بالقاهرة ويمر على رحيله 50 عاماً تاركاً خلفه إرثاً كبيراً من عشرات النصوص المسرحية والأعمال السينمائية قدمها على مدار حياته الفنية التى وصلت لأكثر من نصف قرن كما ترك أيضاً ذكرى لأسرته بإنجابه ابنين يوسف وسليم.
لعب إدمون تويما العديد من الأدوار فى الأفلام السينمائية والتى تعدت مشاركاته بها المائة فيلم، ويعد دور الجواهرجى أو الصائغ من أكثر الأدوار التى لعبها بإتقان حيث شارك فى 12 فيلماً بدور الجواهرجى بدءً من فيلم بدءً من فيلم «العريس الخامس» مع الفنانة آسيا عام 1942 حتى آخر أفلامه «المذنبون» مع سهير رمزى عام 1975، كما كانت له أدوار ارتبطت به أيضاً مثل الجارسون والبارمان والمصور والصيدلى ومدير التياترو ومدرس اللغة الفرنسية ومعلم الموسيقى وغيرها من الأدوار المتشابهة واكتفى بتلك الأدوار القصيرة فى الأفلام بسبب انشغاله فى ترجمة الأعمال الأجنبية من روائع المسرح الفرنسى ورواياته التى ساهمت فى تواجد نصوص تتواكب مضمونها مع المجتمع المصري.
وتعتبر فترة الستينيات هى الحقبة الأكثر مشاركة لإدمون تويما فى السينما المصرية حيث وصلت أعماله بها إلى 32 فيلماً، كما أن عام 1959 هى السنة الأكثر مشاركة عن جميع السنوات حيث عمل فى عشرة أفلام هي: عش الغرام مع شادية ودعاء الكروان مع فاتن حمامة وحكاية حب مع عبدالحليم حافظ وسر طاقية الإخفاء مع عبدالمنعم إبراهيم وبين السماء والأرض مع هند رستم واحنا التلامذة مع عمر الشريف وأربعة أفلام مع إسماعيل يس هى المليونير الفقير والعتبة الخضراء ورحلة إلى القمر وإسماعيل يس جيمس بوند.