بادرني صديقي بالحديث قائلاً ونحن نشاهد تصفيق المودعين للموسيقار الراحل (زياد رحباني) أثناء تشييع الجنازة إنهم يصفقون له كما لو كان أمامهم على المسرح يعزف على البيانو لحناً من ألحانه المبدعة فقلت له أن أول لقاء له مع الناس انتهى بالتصفيق واليوم آخر لقاء معهم الحال نفسه.
إنه دائماً وأبداً الذين يؤثرون في حياة الناس عن إبداع ومحبة لا يكون وداعهم أمراً عادياً أو تقليدياً وكلنا سوف نموت لكن بعض من البشر يكون موتهم أكثر من موت لأن أثرهم باق بعد الموت طالما وجد بشر يحبون ويشعرون ويتفاعلون ويتذكرون أثر أولئك الراحلين في حياتهم.
وعبر التاريخ يظل موت “سقراط” حديثاً يثير الجدل والسؤال حول ارتشاف “سقراط” للسم ليواجه الموت بشجاعة بعد الحكم الظالم عليه بالموت، وحواره المتفرد مع تلاميذه خلال ساعات الوداع الأخيرة كما رواه “أفلاطون” في محاورة فيدون ، وقد رأى “سقراط” الموت أشبه بنوم عميق لا إحساس فيه أو أنه عبور إلى عالم آخر.
وينظر “أفلاطون” تلميذ “سقراط” وصديقه إلى الموت بوصفه تحررا من سجن الجسد. وعند الفلاسفة المسلمين مثل “ابن سينا” فإنه لا يتحقق كمال النفس إلا بالموت، وعند “أبو حامد الغزالي” فإن الموت هو لحظة التجلي المطلق وبداية الحياة الروحية الحقة.
وتبقى المسألة لدى العامة من البشر مجرد شعور مختلف بين من يرى أنه بموته سوف يستقبل نوراً وآخر يخشى تلك الظلمة الأبدية.
وفي الفلسفة الحديثة يرى الفلاسفة الوجوديين أن الموت يطرح أهمية حرية الإنسان في اختيار معنى حياته في مواجهة حتمية الموت، وعلى الإنسان أن يختار معنى خاص لحياته.
وتظل قيمة الموت هو فهم معنى الحياة وكيف يمكن أن تعاش على أفضل وجه كما يصبح هذا الفهم للموت نهاية للقلق والخوف المرتبط به، ويعلمنا الموت ضرورة التسامح مع الآخرين وتجنب الكراهية طالما مصيرنا واحد وأن تكون حياتنا على هذه الأرض سلام ورحمة وطمأنينة وبحث عن السعادة، ومن العبارات الشائعة في عصرنا أن هذا الشىء صار ميتاً، أي بطل استعماله ولم يعد بفائدة في حياتنا كالقول بموت الإنسان والسياسة والأيديولوجيا والفلسفة والديمقراطية.. الخ ويكون السؤال عندما يقرر البشر أنه ما من فائدة من شىء فيصبح ميتاً، والمشكلة أن من حكم عليه بالموت معنوياً نراه على أرض الواقع حاضراً بل والمستغرب أن ما تم الإعلان عن موته يستقر مقامه في المستقبل من خلال اهتماماتنا التي لا تتوقف بالحياة والبشر، وهنا تكون عبارة الميت الحي لهاغرابتها وسخريتها ويعبر الشاعر المبدع “محمود درويش” عن الموت فيقول “الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء”.