كلمات الرئيس السيسى يحفظها التاريخ .. وتجدد ثوابت موقف لم ولن يتغير
الانقسام الفلسطينى .. سياسى فوقى لا وجود له بالمجتمع

عندما تتقاطع مشاهد الدم ورائحته فى غزة والضفة، مع مظاهرات «العمالة» المفضوحة أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، وقبلها بيانات العار والخسة التى تتجاوز على ألف باء حقائق المنطق .. عندما ترى كل ذلك فاعلم يقينًا أن الدور المصرى «يؤلمهم»، وأنه يبقى فى دعم ونصرة القضية الفلسطينية رقمًا صحيحًا لا يقبل القسمة ولا يحتمل التشكيك.
ومن هنا جاءت الكلمة التى وجهها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أيام متحدثًا فيها عن ثوابت الموقف المصرى وما تقوم به القاهرة فى الحفاظ على القضية الفلسطينية لتضع النقاط فوق حروف كثيرة تاهت بفعل فاعل. حيث تصدى الرئيس فى كلمته لمجموعة الأكاذيب وعملية خلط الأوراق بشأن المساعدات الإنسانية لقطاع غزة ومعبر رفح، مجددًا ثوابت الموقف المصرى المساند للقضية الفلسطينية.
«الجمهورية» تحاور فى هذه السطور السفير الدكتور سعيد أبوعلى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية لشئون فلسطين، الذى تكمن أهمية شهادته من اتساع خبرته كأحد أبناء الشعب الفلسطيني، حيث سبق أن شغل أدوارًا مهمة فى الرئاسة الفلسطينية، وكان محافظًا لمحافظات نابلس ورام الله والبيرة، كما شغل منصب وزير الداخلية الفلسطينى .. وإلى تفاصيل الحوار ..
> كيف ترى الدور المصرى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية فى ضوء الكلمة التى وجهها الرئيس السيسى منذ عدة أيام؟
>> الرئيس السيسى تحدث عن موقف مصر فى الأحداث الجارية وحرب الإبادة فى غزة وتداعياتها والموقف المصرى الذى بدأ مع الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلى على القطاع، وهو موقف مستمر، وأعاد الرئيس التأكيد على ما هو معروف من ثوابت الموقف المصرى فى إطار كلمة لها «مكانة تاريخية» وستكون محفوظة باستمرار فى ثنايا التاريخ.
إن دعم مصر وموقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية موقف تاريخى تعبر عنه مصر بقوة وثبات من خلال الرئيس وتوجيهاته لدعم صمود وبقاء الشعب الفلسطينى باعتبار أن استمرار القضية وبقاءها مرتبط باستمرار الشعب الفلسطيني، وأن التهجير الذى وقفت مصر ضده بقوة منذ الأيام الأولى عنوان لاستمرار بقاء هذه القضية واستمرار الشعب الفلسطينى وإنجاز حقوقه الوطنية، بالإضافة إلى تقديم كل أشكال العون بما يُمكن الشعب الفلسطينى من البقاء من خلال المساعدات العينية والمادية، والأهم استمرار الموقف المصرى لوقف ما تتعرض له غزة من عدوان وإبادة بتركيز الجهود ومواصلة العمل بمثابرة كبيرة لوقف الحرب وانهاء الحصار واعادة الإعمار، بما تبنته مصر من مبادرة أصبحت اليوم مبادرة عربية وإسلامية إلى جانب عملها الحثيث على معالجة أسباب الصراع بفتح أفق سياسى تفاوضى ينتهى بتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة من خلال وحدة الجغرافيا ووحدة النظام السياسى الفلسطينى وتحقيق الوفاق والمصالحة الفلسطينية، ومصر لم تألو جهدا فى هذا الاتجاه، وكانت رسالة الرئيس للتذكير بأن هذه هى ثوابت الموقف المصرى الذى لم ولن يتغير.
> وفى تقديرك لماذا يتعرض الموقف المصرى لمزايدات بين الحين والآخر؟
>> هذا ليس جديدًا، بين الفينة والأخرى عادة ما يكون هناك استهداف لمصر وهو استهداف متكرر يحاول النيل من دورها.
> لماذا؟ وما دلالات ذلك؟
>> على الأقل هو اصطفاف مع أطروحات وروايات العدو الإسرائيلى فى نقل مركز المسئولية عن الكوارث الإنسانية التى تحدث فى غزة بما فيها استخدام سلاح التجويع والتعطيش كأسلحة إبادة لتهجير قطاع غزة.
وأؤكد أن الموقف المصرى قوى وحاسم فى مواجهة خطط التهجير الاسرائيلية، والعدو الإسرائيلى يسعى للتخلص من جهود القاهرة لمحاصرة وفضح عدوانه على الشعب الفلسطيني.
> وكيف ينظر الشارع الفلسطينى فى الضفة الغربية وقطاع غزة للدور المصري؟
>> دور مركزى وأساسى وحيوي، هذا الموقف يتوارثه الشعب الفلسطينى فى علاقته مع مصر، وهى علاقة استراتيجية تاريخية ومستمرة اليوم كما بالأمس. مصر هى قلعة الدفاع، ومظلة الحماية للقضية الفلسطينية وتعزيز الصمود الفلسطيني.
> ومن ناحية أخرى ما تقييمك لمدى تلاحم الجبهة الفلسطينية فى مواجهة المخططات الإسرائيلية؟
>> اللُحمة الوطنية الفلسطينية حقيقة ثابتة وتاريخية فى المجتمع الفلسطينى بغض النظر عن الانقسام السياسى الذى تعبر عنه الفصائل السياسية الفلسطينية المعاصرة، وهذا يدخل فى نطاق التعددية السياسية وبالتالى الاختلاف على مستوى المشاريع السياسية، ولكن على مستوى المجتمع الفلسطيني، فالكل واحد وموحد ومنصهر فى بوتقة واحدة ولا يوجد أى سبب أو عنصر للتمييز أو التفرقة داخل المجتمع الفلسطيني، وما يُقال عن الانقسام الفلسطينى هو انقسام فوقى سياسى لا يمتد أبدًا إلى وحدة المجتمع الفلسطينى بتعدد أجياله وتعدد ديانته خاصة المسيحية والإسلام الذين يعيشون جنبًا إلى جنب فى إطار المواطنة.
> إذن كيف ترى علاقة أهل فلسطين ببعضهم البعض؟
>> علاقة مجتمع موحد، المعيار فيه هو «المواطنة» بنفس الحقوق والواجبات مع مراعاة خصوصية العقائد الدينية التى يحترمها كل طرف للطرف الآخر، هناك ديانتان على قدم المساواة، والفرق أن المسلم يذهب إلى المسجد، بينما يذهب المسيحى إلى الكنيسة، وكلها بيوت الله بذات الإيمان ووحدانية الإله، وأعتقد أن ما ميز فلسطين تاريخيًا تلك الوحدة وهذا الانسجام.
> استهدف الاحتلال الإسرائيلى الكنائس بقطاع غزة .. ما دلالات ذلك؟
>> ما تعرض له المواطن الفلسطينى والمقدسات سواء كانت مسيحية أو اسلامية يؤكد أن الاستهداف الاسرائيلى لا يميز بين المسجد والكنيسة، وإن كان التركيز بحكم الأكثرية يمس المقدسات الإسلامية، ولكن لو أخذنا نموذج للمقدسات فى مدينة القدس والحرم القدسى والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وهى متجاورة، وما تتعرض له كنيسة القيامة خاصة فى الأعياد الدينية من قمع وإغلاق ومنع المؤمنين من الاحتفال وإقامة الصلاة فى الأعياد المسيحية هو نفس ما يتعرض له المسلمون فى المناسبات الدينية خاصة فى شهر رمضان وأيام الجمعة، نفس الاضطهاد ونفس المعاناة لأن الاحتلال لا يميز بين مسلم ومسيحي، هو فلسطينى وعربى يقع فى عين الاستهداف الاسرائيلى وبالتالى عرضة لكل ما يقع فى فلسطين من جرائم وتنكيل واعتقال وقتل وتدنيس للمقدسات، هناك أكثر من كنيسة تم تدنيسها وتحطيم أبوابها ومحتوياتها بالإضافة إلى التنكيل بالمؤمنين بها، إضافة إلى ما تتعرض له أملاك الكنيسة أيضًا من ملاحقة ومحاولة مصادرة وتهويد واستيلاء، مثل ما حدث فى المستشفى المعمداني، وكنيسة دير اللاتين وهى من أقدم الكنائس فى غزة. ويوجد فى غزة عدد محدود من الكنائس وتعرضت جميعها للضرب والاستهداف الإسرائيلى أسوة بما تعرضت له الغالبية العظمى من مساجد القطاع، وبالتالى ليس هناك تمييز فى العدوان والاستهداف.
> نرى صورا للتضامن المسيحى الإسلامى بالقدس، فعندما تم منع الأذان من المساجد تم رفعه من الكنائس..؟
>> قال السفير سعيد مقاطعًا: كانت دعوة من القيادات الدينية والمطارنة لإقامة الأذان من كنيسة القيامة، وليس بالضرورة أن يُذاع ولكن هناك الجاهزية والترحيب والتأكيد على اللُحمة الوطنية والموقف الوطنى الجامع الموحد بين المسلمين والمسيحيين فى مواجهة العدوان الإسرائيلي. نحن نتحدث عن تهويد مدينة القدس أى نفى وجود الأديان سواء كانت مسيحية أو إسلامية بالقدس من خلال إنكار التواجد التاريخى للكنائس والمساجد بها، والسعى لتهويدها وطمس معالمها الروحية والثقافية.
> وأخيرًا: رسالة توجهها للشعب المصري؟
>> نحن نقدر كل التقدير المواقف العظيمة لمصر التى بقيت على امتداد عقود الصراع مُستمدة من حقبة تاريخية أبعد فى الدفاع عن القضية الفلسطينية ونصرة الحق الفلسطيني. مصر شريكة للشعب الفلسطينى فى نضاله وصموده وإصراره على استعادة حقوقه وبناء دولته المستقلة، وهناك شراكة دم بالمسار والمصير.