لقد كانت ثورة 30 يونيو 2013 نقطة تحول حاسمة فى تاريخ مصر الحديث، لم تكن مجرد تغيير سياسي، بل كانت بمثابة إعلان عن مرحلة جديدة تطلبت إعادة بناء شاملة لمؤسسات الدولة، بهدف استعادة الاستقرار، وترسيخ دعائم الحكم الرشيد، وتلبية تطلعات الشعب المصرى نحو مستقبل أفضل. فبعد فترة من الاضطراب وعدم اليقين شهدتها البلاد إثر أحداث 25 يناير، برزت الحاجة الملحة إلى إعادة هيكلة وتفعيل مؤسسات الدولة على أسس قوية وصلبة، لتتمكن من الاضطلاع بدورها فى حماية الأمن القومي، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وصون حقوق وحريات المواطنين. وقد بدأت عملية البناء هذه بخطوات حاسمة، كان أبرزها وضع دستور جديد للبلاد فى عام 2014، والذى شكل الإطار القانونى لعمل جميع المؤسسات، حيث نص على فصل السلطات، واستقلالية القضاء، ودور الجيش والشرطة فى حماية الوطن، وكذلك حقوق وواجبات المواطنين. توازى مع ذلك إعادة بناء المؤسسات التشريعية، فبعد حل مجلس الشعب فى أعقاب 25 يناير، تم إجراء انتخابات برلمانية فى عام 2015 أسفرت عن تشكيل مجلس نواب جديد، والذى أصبح شريكاً أساسياً فى عملية صنع القرار والرقابة على أداء الحكومة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد ليشمل المؤسسات التنفيذية، حيث شهدت الحكومة المصرية سلسلة من التعديلات والتعيينات بهدف ضخ دماء جديدة وتأهيل كوادر قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وقد تم التركيز على كفاءة الأداء، والشفافية، ومكافحة الفساد كأحد أهم الركائز فى عملية إعادة البناء هذه.
على صعيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، كان لثورة 30 يونيو دور كبير فى استعادة تماسكها وفعاليتها. فالقوات المسلحة، التى حظيت بثقة ودعم جماهيرى كبيرين، اضطلعت بدور محورى فى حماية البلاد من المخاطر الداخلية والخارجية، وخاصة الإرهاب الذى حاول زعزعة استقرار الدولة. وقد تم تحديث وتطوير القدرات العسكرية والأمنية لمواجهة هذه التحديات، وتعزيز التنسيق بين مختلف الأجهزة للحفاظ على الأمن والنظام العام. وفى هذا السياق، شهدت الشرطة المصرية جهوداً مكثفة لإعادة تأهيلها وتدريبها، لتكون قادرة على أداء مهامها فى حفظ الأمن وحماية المواطنين وفقاً للمعايير القانونية والإنسانية، مع التركيز على بناء جسور الثقة بينها وبين المجتمع. ولم تغفل عملية البناء المؤسسى الجانب الاقتصادي، فقد أولت الدولة اهتماماً كبيراً بإصلاح المؤسسات الاقتصادية، مثل البنك المركزي، ووزارات المجموعة الاقتصادية، والهيئات الرقابية، بهدف تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار، وتحقيق النمو الاقتصادى المستدام. وقد تم إطلاق برامج إصلاح اقتصادى شاملة تضمنت إجراءات جريئة مثل تحرير سعر الصرف، وإعادة هيكلة الدعم، وتنويع مصادر الدخل، وذلك لضمان استقرار المالية العامة وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما ساهم فى تحسين المؤشرات الاقتصادية للبلاد تدريجياً.
لم تتوقف جهود البناء المؤسسى عند الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، بل امتدت لتشمل المؤسسات الاجتماعية والثقافية. فقد تم الاهتمام بتطوير المؤسسات التعليمية والصحية، بهدف تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، والاستثمار فى رأس المال البشري. وشمل ذلك تحديث المناهج التعليمية، وتطوير البنية التحتية للمستشفيات، وتوسيع نطاق الخدمات الصحية لتشمل مختلف شرائح المجتمع. كما تم دعم المؤسسات الثقافية والفنية، وتعزيز دورها فى تشكيل الوعى المجتمعى والحفاظ على الهوية المصرية الأصيلة، مع الانفتاح على الثقافات الأخري. ورغم التحديات الكبيرة التى واجهتها مصر بعد 30 يونيو، إلا أن الإرادة السياسية والشعبية كانت عنصراً حاسماً فى تحقيق هذه الإنجازات فى بناء وترسيخ مؤسسات الدولة. لقد أدركت القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى أهمية بناء دولة قوية ومستقرة تستند إلى مؤسسات فاعلة وقادرة على الصمود فى وجه الأزمات، وتلبى احتياجات وتطلعات الشعب المصري. ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً ومليئاً بالتحديات، إلا أن ما تحقق حتى الآن يمثل نقطة انطلاق قوية نحو مستقبل أفضل، ترتكز فيه الدولة المصرية على أسس راسخة من العدل، والشفافية، والحكم الرشيد، والتنمية الشاملة. إن عملية بناء مؤسسات الدولة بعد 30 يونيو هى عملية مستمرة، تتطلب اليقظة والتطوير المستمرين لمواكبة التغيرات والتحديات الإقليمية والدولية، لضمان مستقبل آمن ومزدهر لمصر وشعبها العظيم.
وللحديث بقية