تعد العلاقة بين مصر والقضية الفلسطينية علاقة تاريخية متجذرة، تتجاوز فى عمقها أى حماقات أو تجاوزات حماس تجاه القاهرة. إن هذه الرابطة ليست مجرد خيار سياسي، بل هى جزء لا يتجزأ من الهوية القومية المصرية وضميرها العربي، مدفوعة بتعقيدات الجغرافيا، وميراث النضال، والإيمان الراسخ بعدالة القضية الفلسطينية. فعلى مر العقود، حملت مصر لواء الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، مقدمة تضحيات جساماً على المستويين البشرى والمادي، وشاهدة على مراحل الصراع المختلفة، من النكبة عام 1948 مروراً بالحروب المتعاقبة وصولاً إلى التحديات الراهنة. ورغم أن حركة حماس ارتكبت الكثير من الحماقات التى ترقى إلى الجرائم فى حق مصر خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن الحدودى وإدارة معبر رفح، إلا أن هذا لم يغير من موقف القاهرة الثابت من القضية الفلسطينية ككل. فمصر تدرك جيداً أن حماس رغم أفعالها المشينة وتسبب ضررا بمصالح مصر، لا يمكن أن تترجم إلى تخل كامل عن شعب بأكمله يعانى الاحتلال والظلم. إن النظرة المصرية للقضية الفلسطينية أوسع وأشمل من أى فصيل سياسي، وهى ترى فيها قضية تحرر وطنى لشعب يرزح تحت الاحتلال، وقضية أمن قومى لمصر نفسها، بالنظر إلى الجوار المباشر وتبعات أى تصعيد أو عدم استقرار فى غزة أو الضفة الغربية. وتستمر القاهرة فى لعب دور الوسيط الرئيسى بين الفصائل الفلسطينية، وبين الفلسطينيين وإسرائيل، فى مسعى دائم لتحقيق التهدئة، ورفع الحصار، وتثبيت أركان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ورغم الإحباط الذى قد ينتاب المصريين جراء تصرفات حماس، التي تضر بالمصالح المصرية أو تزيد من تعقيد المشهد الأمني، فإن هذا الإحباط لا يُترجم إلى تغيير فى العقيدة المصرية الثابتة تجاه فلسطين. بل على العكس، تعزز هذه التحديات قناعة مصر بضرورة استمرارها فى دورها المحورى كضامن للاستقرار والوسيط النزيه، خاصة فى ظل غياب أفق سياسى حقيقى لحل الصراع. فالقاهرة تدرك أن التخلى عن القضية الفلسطينية ليس فقط خيانة لمبادئها التاريخية، بل هو أيضاً ضربة قاسية لأمنها القومى واستقرار المنطقة بأسرها. إن غياب الدور المصرى الفاعل سيُفسح المجال أمام قوى أخرى قد لا تمتلك نفس المصداقية أو القدرة على إدارة الأزمات، مما قد يؤدى إلى تفاقم الأوضاع وتهديد مباشر لأمن مصر وحدودها. لذلك ستظل مصر، بكل مؤسساتها وأجهزتها، ملتزمة بدعم الشعب الفلسطيني، وساعية نحو تحقيق تطلعاته المشروعة فى الحرية والاستقلال، مهما كانت التحديات أو «الحماقات» التى قد تصدر عن بعض الفصائل، لأن القضية الفلسطينية هى قضية مصرية بامتياز، ومصيرها يرتبط ارتباطا وثيقا بمصر ذاتها.
إن تأييد مصر للقضية الفلسطينية ينبع من إيمان راسخ بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الدعم غير المشروط يتجلى فى الجهود الدبلوماسية المتواصلة، وتقديم المساعدات الإنسانية، واستضافة المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية لتوحيد الصف..ومع ذلك فإن هذا التأييد لا يعنى القبول الأعمى لكل الممارسات. فمصر ومن منطلق حرصها على القضية ذاتها، ترفض أى أعمال قد تؤدى إلى تأجيج الصراع أو تقويض فرص الحل السياسي، بما فى ذلك بعض ممارسات حماس التى تعوق تحقيق الأهداف الفلسطينية العليا. وتسعى مصر دائمًا لضمان عدم استغلال القضية لأجندات قد تضر بمصالح الشعب الفلسطينى الشاملة، مؤكدة على ضرورة التوافق الفلسطينى الداخلى والتفاوض كسبيل وحيد لتحقيق السلام العادل والشامل.