> اليوم من عام(2025) وبعد عملية «طوفان الاقصي» وبعد حرب الإبادة الإسرائيلية فى غزة يقف المراقب بعد أكثر من ستين عاماً من الوحدة المصرية ـ السورية التى مثلت التجربة الأهم والأبرز فى تاريخنا المعاصر أمام أسئلة كبرى نحسب أن العقل العربى مطالب بالإجابة عليها، ليس بهدف الوقوف فقط على أطلال الماضى الجميل، للبكاء أو حتى للاعتبار والعظة، ولكن بالأساس للبناء والتأسيس لمستقبل أكثر إنسانية، وعدالة، ووحدة. ثمة تساؤلات تاريخية تحتاج إلى تأمل وإجابة من قبيل: لماذا كانت الوحدة؟ هل كانت تعبيراً عن حاجة حقيقية للدولتين وقتذاك أم كانت تعبيراً عن نزوع عربى لدى قادة قوميين شباب تحركهم العاطفة الوحدوية فحسب قبل الدراسة الواعية للواقع الإقليمى المعقد؟ وهل كان هذا الواقع راغباً فى الوحدة أم راغباً عنها؟ هل كان هذا الواقع واقعاً فى اتجاه إسقاطها مع أول أزمة دولية بين المعسكرين؟ أم أنه كان واقعاً مستفيداً منها موظفا لها؟ وأخيراً: ما هى التحديات التى قد تواجه التجربة إن أردنا أن نعيدها ولكن على المستوى العربي؟
> إنها بعض التساؤلات، من وحى الذكرى تحتاج بلاشك إلى نقاش مبدع جديد، سوف نحاول هنا أن نتوقف، فقط أمام تساؤل واحد منها؛ التساؤل الأخير والمتصل مباشرة بطبيعة تحديات قرن جديد أمام الوحدة سواء بإطارها المحدود «بين بعض الدول العربية» أو إطارها الأشمل بين الأقطار العربية التى مزقها الاستعمار الأجنبى وأكمل عليها الاستبداد التكفيرى الذى يحكم بعض البلاد ويرضى عليه ترامب ونتنياهو!!
> إن التحديات ولا شك ستكون مختلفة، كما ونوعاً عن تلك التى سبقت وواكبت التجربة الأولى (1958) فلا وجود لعالم ثنائى القطبية، بل نحن «اليوم 2025» فى عالم متعدد الأقطاب، مع شراسة لقطب واحد يحاول أن يهيمن منفرداً بالقوة على العالم؛ ونحن إزاء «عالم عربي»، بكل ما تعنيه الكلمة من معني، ولسنا إزاء «وطن عربي» واحد تجمعه قضية واحدة كما كان أثناء عصر الوحدة الأولي؛ والتحديات التى ستواكب «الحلم» فى تحقيق الوحدة العربية، ستكون ولا شك أكثر تعقيداً وتداخلاً من تلك التى واكبتها سابقاً، والواقع الراهن بكل مآسيه وإشكالاته الكبرى شاهد على ذلك.
> على أية حال دعونا نبلور أبرز ما نتوقعه من تحديات رئيسية أمام الوحدة خلال المستقبل القريب، والذى بدوره يؤسس لمستقبل أبعد منه:
> أول التحديات فى تقديرنا: هو هذا الكيان الصهيونى الذى يشن حرب إبادة على غزة منذ2023 وحتى اليوم وهو كيان عدوانى فى قلب الوطن العربي، فى فلسطين،ويحتل أجزاء (40 ٪) من سوريا وجنوب لبنان فلا وحدة عربية قادرة على الصمود وهذا الكيان قائم، إذ إنه عامل هدم لها، عبر عدوانيته ومؤامراته، وإذا ما ربطنا أكثر علاقة هذا التحدى «الكيان الصهيوني» بالولايات المتحدة الأمريكية، وتحالفهما الإستراتيجى ضد هذه الأمة، لاتضح أكثر، خطورة التحدى وصعوبته.لكن بالمقابل، يمثل هذا التحدي، عامل تحفيز لحتمية الوحدة.
>>>
> أما التحدى الثانى المهم فهو: أن الوحدة المنشودة فى قابل أيامنا تأتى والعالم المعاصر يعيش ظاهرة ما يسمى بالعولمة وذكاء اصطناعى بكل ما بها من إيجابيات قليلة فى مجالات الثقافة وانتشار المعرفة وسلبيات أكثر متمثلة فى اختراق الخصوصيات الوطنية وتهديد الأمن القومى والسياسى والاقتصادى والحضارى لبلادنا، إن «الوحدة» العربية المنشودة، عليها أن تواجه تلك العاصفة العالمية العاتية التى مرت ببلادنا منذ سنوات، وتنوى البقاء بها فى المستقبل القريب، عاصفة العولمة والذكاء الاصطناعى وعليها أن تبدع، فى وسائل التعامل معها، فتأخذ منها ما يفيد وما يعضد ويقوى تلك الوحدة: مفهوماً ووسائل وإستراتيجيات للعمل، وأن ترفض ما دون ذلك، من عوامل للهدم والاختراق والإلحاق الحضاري.. فهل الحالمون والعاملون لهذه الوحدة، قادرون على ذلك.
>>>
> أما التحدى الثالث: فهو أن الوحدة العربية المنشودة، تواجه على الأرض تحديا لم يسبق لها أن واجهته فى عصرنا الحديث إلا مرة واحدة وهو الاحتلال الأمريكى والغربى لمقدرات وأراضى دول عربية.. صحيح هناك الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين بكل تعقيداته إلا أن ما جرى وما يزال يجرى من استنزاف للثروات العربية واحتلال لأراضى البعض منها أخطر مما جرى فى فلسطين ويمثل ثانى أهم تحدى أمام الحالمين أو العاملين لهذه الوحدة. حيث يتم اليوم بيع الاوهام وخلق أعداء إقليميين غير موجودين واستنزاف الثروات وعقد الصفقات المذلة فى حين يتضور أهل غزة بل أهل البلاد العربية جوعاً!!
>>>
> أما التحدى الرابع والأخير: الذى يواجه الوحدة العربية فى قابل أيامها فهو وقوع غالب بلادنا العربية تحت تهديد الجماعات التكفيرية الإرهابية وفى مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية وداعش وبعضهم تحالف ضمنا اليوم مع واشنطن وكأنهما جبهة واحدة تعمل لصالح إسرائيل وضد الوحدة العربية الحقيقية المنشودة ومثال ذلك ماحدث فى مظاهرات الأخوان أمام السفارة المصرية فى تل أبيب .
>>>
> إن هذه التحديات «وغيرها مما لا يتسع المقام لذكرها» تمثل فى تقديرنا ما يمكن أن نسميه بنظرية الأوانى المستطرقة فى فلسفة الوحدة، إذ لا يمكننا أن نحقق الوحدة العربية «سواء فى إطارها الثنائى أو حتى الإقليمى المحدود أو الجماعي» دونما مواجهة جادة للتحدى الصهيونى الذى يمثل تقسيم الأمة العربية أحد ركائز وظيفته ورسالته فى المنطقة، وهذه المواجهة للتحدى الصهيوني، تحتاج إلى مواجهة تفاعلية أكبر مع تحديين خطيرين يقفان على أبواب الأمة بل وبداخل بيتها: تحدى العولمة وتحدى الاحتلال الأمريكى والمشرعن بأنظمة عربية، أغلبها ـ كما نعلم ـ تابع ومستبد.
> إنها نظرية الأوانى المستطرقة (الوحدة ـ التحدى الصهيونى تحدى العولمة ـ الاحتلال الأمريكى الحرية فى مواجهة المتطرفين)، ربما بمدى إدراك، وفهم الحالمين، بالوحدة وبمقدار إخلاصهم فى العمل لها يمكن ساعتها الحديث عن أن التاريخ بإمكانه أن يعيد نفسه، وأن نعيش مرة أخرى ذلك الحلم الجميل الذى أنجزه عبد الناصر وصحبه قبل أكثر من ستين عاماً حين ربط أرض الكنانة ببلاد الشام فى أنبل وأهم وحدة عربية فى عصرنا الحديث وحملت ذات يوم هذا الاسم الجميل: الجمهورية العربية المتحدة..وما ذلك على الله بعزيز!!
والله أعلم