المغضوب عليهم أمريكياً.. وصف تكرر كثيراً الفترة الماضية والسبب دائماً إسرائيل، فكل من يقترب من إسرائيل أو يتصدى لجرائمها أو يفضح ما ترتكبه فى حق الأبرياء الفلسطينيين أو ينطق بكلمة حق تدين الاحتلال يصبح مكروهاً ومغضوبًا عليه أمريكياً وربما يتعرض لعقاب وحملات تشويه سواء كان منظمة مثل الأونروا أو أشخاص مثل أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة أو المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أو البانيزى مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى فلسطين وغير هؤلاء كثيرون.
الغضب الأمريكى ممتد ومستمر وطال أيضاً الرئيس البرازيلى لولا داسيلفا بسبب موقفه الداعم لفلسطين وحقوق شعبها.
وهنا يظهر الموقف الأمريكى من مصر وقيادتها بسبب مواقفها الرافضة للإجرام الإسرائيلى والدعم المصرى الكامل للقضية الفلسطينية لكن الغضب الأمريكى من الموقف المصرى الرافض للتهجير وتصفية القضية تحول إلى محاولات للضغط عليها وإطلاق حملات تشويه وتهديدات غير مباشرة لكن مصر وقيادتها لم تهتم بكل هذا وأصرت على موقفها الحاسم حماية للقضية ولأمنها القومى واضطرت الإدارة الأمريكية إلى تحويل الضغط إلى حوار ونقاش مع القاهرة للبحث عن حلول للقضية بعد أن أدركت أن موقف مصر ثابت لا يتغير وأن الضغوط لا تفيد مع القيادة المصرية التى لا تتنازل عن ثوابتها مهما كان الثمن ونجحت مصر رغم الغضب الأمريكى فى إدخال المساعدات لغزة وإفساد مخطط التهجير مثلما أفسدت مخطط مدينة الخيام بموقفها الواضح.
بعد سنوات دعم النضال الفلسطيني
جنوب إفريقيا فى مرمى نيران الكونجرس
كتب – ماجد فايز
بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أواخر الدول التى التحقت بالمجتمع الدولى فى معاقبة نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا، بل واضطر الكونجرس الأمريكى إلى تجاوز فيتو الرئيس الراحل رونالد ريجان لتمرير القانون الشامل لمكافحة الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا فى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، يهب الكونجرس ذاته الآن لمعاقبة الدولة نفسها لكن هذه المرة لأنها تناصب العداء لنظام لا يقل عنصرية عن ماضيها الغابر.
قبل عدة أيام، صوتت لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكى بأغلبية 34 صوتا مقابل 16، لصالح تمرير مشروع قانون يقترح مراجعة شاملة للعلاقات الأمريكية مع جنوب أفريقيا، مع إمكانية فرض عقوبات على مسئولين بجنوب أفريقيا.
مشروع القانون، الذى قدمه النائب الجمهورى رونى جاكسون من تكساس فى 3 أبريل الماضي، يتهم جنوب أفريقيا بتقويض المصالح الأمريكية من خلال علاقاتها الوثيقة مع روسيا والصين.
ونفت جنوب أفريقيا مرارا دعمها لفلسطين، لكن هذه الدولة الأفريقية العريقة تُعد من المؤيدين التاريخيين للقضية الفلسطينية، وقد رفعت قضية ضد إسرائيل تتهمها فيها بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية فى عام 2023، وهو ما ذكره مشروع القانون كأحد دواعى القلق الأمريكية.
وكانت جنوب أفريقيا تقدمت إلى محكمة العدل الدولية بدعوى من 84 صفحة، عرضت خلالها دلائل على انتهاك إسرائيل «القوة القائمة بالاحتلال» لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتورطها بـ»ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة».
نتائج عجيبة
يعدد مشروع القانون الأمريكى حيثيات، بعضها عجيب، لتبرير التشريع إذ يقول إن الكونجرس وجد أن دعم حكومة جنوب أفريقيا لحماس يعود إلى عام 1994، عندما وصل حزب المؤتمر الأفريقى الحكام إلى السلطة لأول مرة، حيث اتخذ موقفا متشددا واتهم إسرائيل مرارًا بممارسة الفصل العنصري. كذلك استشهد الكونجرس بتصريح للناطق باسم الحزب الحاكم يقول فيه، «إن قرار الفلسطينيين بالرد على وحشية نظام الفصل العنصرى الاستيطانى الإسرائيلى غير مفاجئ».
ويقترح مشروع القانون «مراجعة كاملة للعلاقة الثنائية» على الصعيد الدبلوماسى والتجارى والعسكرى علاوة علي»تحديد المسئولين الحكوميين فى جنوب أفريقيا وقادة المؤتمر الوطنى الأفريقى المؤهلين لفرض العقوبات»، دون تسمية أى أفراد بعينهم، مع الإشارة إلى أنهم سيكونون أشخاصا يرى الرئيس ترامب أنهم تورطوا فى فساد أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
ويقول أحد الخبراء إن عواقب تمرير القانون ستكون وخيمة. ويضيف أنهم ربما يواجهون إغلاقا لحساباتهم المصرفية ومشاكل فى السفر وإحجام أو عجز الشركات عن التعامل معهم.
وفى هذا الصدد، ويرجح البروفيسور جون ستريملو، أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة ويتس والنائب السابق لمدير التخطيط السياسى فى مكتب وزير الخارجية الأمريكية، ألّا يمر مشروع القانون هذه المرة أيضا رغم سيطرة الحزب الجمهورى على الكونجرس بمجلسيه. ويشير إلى أن حتى لو مرّ المشروع فى مجلس النواب كسابقه، «فلا يوجد سبيل لمروره فى مجلس الشيوخ لأن الديمقراطيين سيعطّلون ذلك».
ومنذ وصوله لرئاسة بلاده عام 1994، بعد كفاح طويل وسجن دام 27 عاما، التزم مانديلا بدعم الشعب الفلسطيني، وزار فى أكتوبر عام 1999 قطاع غزة، واستمر فى دعمه مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 رغم الضغوط الدولية التى تعرض لها.
وفى الوقت الراهن، وفى خطاب له بعد بدء العدوان الإسرائيلى على غزة فى 7 أكتوبر 2023، قال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، إن مشهد الرجال والنساء والأطفال الذين طُردوا من منازل عائلاتهم التى يملكونها منذ أجيال طويلة، ومشاهد الهدم القسرى للمنازل، وسلب الأراضي، كلها تُعيد للأذهان ذكريات مؤلمة لمعظم سكان جنوب أفريقيا.
وأوضح الرئيس الجنوب أفريقى أن «الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال منذ نحو 75 عاما، وأنهم لا يخوضون صراعا ضد حكومة قمعية احتلت أراضيهم فحسب، وإنما أيضا ضد «دولة فصل عنصري».
وأضاف «باعتبارنا أعضاء فى حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى الذى ناضل ضد نظام الفصل العنصرى القمعى هنا فى جنوب أفريقيا، فإننا نؤكد تضامننا مع الفلسطينيين.»
فهل تدفع بلد مانديلا اليوم ثمن دفاعه عن حقوق الشعب الفلسطينى الذى يقاسى ما هو أشد وأنكى من الفصل العنصرى الذى عانى ويلاته فى القرن الماضي؟
من المحكمة الجنائية إلى الأونروا
واشنطن تعاقب من يدافع عن الإنسانية
عواصم عالمية – وكالات الأنباء
منذ اللحظة الأولى التى اعتلى فيها دونالد ترامب سدة الحكم عام 2017، تبنى الرئيس الأمريكى نهجاً خارجياً صدامياً، يقوم على الانسحاب من المؤسسات الدولية والتشكيك فى جدواها، ما اعتبره كثيرون انقلاباً على النظام العالمى متعدد الأطراف الذى أسسته الولايات المتحدة نفسها عقب الحرب العالمية الثانية.
وبعد عودته إلى البيت الأبيض فى يناير 2025، لم يتردد ترامب فى تجديد هذا النهج، حيث استهل ولايته الثانية بإصدار سلسلة أوامر تنفيذية تقضى بالانسحاب من اتفاقيات ومنظمات دولية كبري، أبرزها اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، ومؤخراً منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو».
انسحاب الولايات المتحدة من «اليونسكو» لم يكن مفاجئاً، بل أعاد إلى الأذهان قرار ترامب السابق فى عام 2017 بالانسحاب من المنظمة ذاتها بدعوى «تحيزها ضد إسرائيل». الموقف نفسه تكرر تجاه مجلس حقوق الإنسان، حيث اتهمه ترامب بأنه «منبر للمنافقين» و»عدائى تجاه حلفاء واشنطن»، قبل أن ينسحب منه فى ولايته الأولي، ويعود لتأكيد القرار ذاته فى فبراير الماضي.
لم تكتف إدارة ترامب بالانسحاب من المنظمات، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث فرضت عقوبات مالية وقيوداً على منح التأشيرات لموظفى المحكمة الجنائية الدولية،بعد قرار المحكمة بتوقيف نيتنياهو وبن غفير وسموتريتش كما جمّدت تمويل وكالة «الأونروا» بسبب تقاريرها الفاضحة لجرائم الاحتلال ضد الأبرياء وسياسة التجويع التى تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين. كذلك وجّه ترامب وزارة الخزانة بمراجعة شاملة لمساهمة بلاده فى البنك الدولى وصندوق النقد الدولي، معتبراً أن المؤسستين انحرفتا عن مهامهما الأساسية لصالح «أجندات مناخية واجتماعية غير ملائمة».
تلك الخطوات التى اتخذتها بالفعل الولايات المتحدة أو تهديدها بالانسحاب لا يمر دون تكلفة، سواء على المنظمات ذاتها أو على واشنطن أو على النظام الدولى برمّته.
فعلى صعيد المنظمات، تتسبب الانسحابات الأمريكية فى فجوات تمويلية ضخمة، فمثلاً كانت الولايات المتحدة تموّل نحو %16 من ميزانية منظمة الصحة العالمية، و%14 من ميزانية «اليونسكو».
أما على المستوى الأمريكي، فإن الابتعاد عن هذه المؤسسات يعنى خروج واشنطن من دوائر اتخاذ القرار فى مجالات حساسة، مثل الصحة العالمية، أو التجارة، أو المناخ. كما يضر الانسحاب بسمعة أمريكا الدولية، ويُضعف ثقة حلفائها بها، ويمنح خصوماً مثل الصين وروسيا فرصاً لتوسيع نفوذهم داخل هذه المنظمات.
وعلى المستوى العالمي، فإن مسلسل الانسحابات المتتالية يعزز مناخ عدم الاستقرار الدولي، ويقوض فكرة العمل الجماعى لمواجهة تحديات مثل التغير المناخي، الأوبئة، الإرهاب، والهجرة، وهى قضايا لا يمكن لأى دولة، مهما كانت قوتها، أن تعالجها بمفردها.
ورغم الطابع الحاد لهذه السياسات، فإن محللين يرون أن ترامب لا يرفض التعاون الدولى فى جوهره، بل يستخدم سياسة «الانسحاب للضغط» بهدف إعادة التفاوض على شروط يراها أكثر إنصافاً للولايات المتحدة. غير أن هذه المقاربة تظل محفوفة بالمخاطر، إذ إن الانسحاب أحياناً يتحول من أداة ضغط إلى قطيعة دائمة، تضعف النفوذ الأمريكى وتعزز مكانة المنافسين.
انضمت إلى نادى «المغضوب عليهم»..
فرانشيسكا ألبانيزى: العقوبات لن توقفنى عن كشف جرائم الاحتلال
كتب – مصطفى محمود
لا يبالغ البروفيسور الأمريكى فى السياسة الدولية ورائد مدرستها الواقعية جون ميرشايمر حين يصف العقوبات الاقتصادية بأنها أقوى أسلحة الولايات المتحدة، أقوى من الطائرات الشبحية وقاذفات القنابل والصواريخ الباليستية؛ فبها تشل اقتصاد خصومها وترهبهم من دون إنفاق أى مال ولو على طلقة واحدة. وطوال عقود، استعملت الولايات المتحدة هذا السلاح ضد دول وحكومات وأفراد ترى أنهم يهددون مصالحها أو يحيدون عن النظام الدولى الذى تقوده. ومن بين أحدث الأسماء التى طالتها هذه العقوبات، تبرز فرانشيسكا ألبانيزي، مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهى معنية بالتحقيق فى جرائم الاحتلال.
أصدر وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو القرار فى 9 يوليو استنادًا إلى الأمر التنفيذى رقم 14203 الصادر عن الرئيس دونالد ترامب، والمعنون بـ»فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية». وتتهم الخارجية الأمريكية فرانشيسكا بأنها ضالعة مع المحكمة الجنائية الدولية فى محاولة التحقيق مع واعتقال واحتجاز ومحاكمة مواطنين من الولايات المتحدة أو إسرائيل، من دون موافقة هاتين الدولتين. وبما أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا عضوًا فى «نظام روما الأساسي» المؤسس للمحكمة، فإن هذا التحرك يُعد انتهاكًا جسيمًا لسيادة الدولتين، حسب القرار.
ويصف القرار جهود فرانشيسكا فى الدفاع عن حقوق الفلسطينيين بـ»الأنشطة المنحازة والخبيثة» وبـ»معاداة السامية» لا سيما فى دعوتها المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء «الاحتلال» بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت. كما انتقد القرار دعوة فرانشيسكا التحقيق مع شركات أمريكية وملاحقتهم قضائيًا بسب توريدهم الأسلحة وجرافات هدم المنازل إلى إسرائيل، متهمًا إياها بإطلاق حرب تجارية على الولايات المتحدة.
وفى عدة لقاءات صحفية، وصفت فرانشيسكا القرار بـ»أساليب ترهيب المافيا»، وكان ردها «ويكأنى قد نكأت جراح الأمريكيين والإسرائيليين، لكن العقوبات لن تفلح فى إسكاتي»، وحين سُئلت عن تأثير القرار فيها قالت إنه لا شك سيؤثر فيها وفى أسرتها، لكن الأهم هو انتهاء معاناة الفلسطينيين وإدخال المساعدات إليهم وإنهاء الإبادة الجماعية التى تغتال العشرات منهم كل يوم.
العقوبات الأمريكية المفروضة عليها جاءت بعد شهرين من تجديد ولايتها كمقررة أممية لثلاث سنوات أخري، بعد انتهاء ولايتها الأولى التى كانت قد بدأتها فى مايو 2022 وأدت فيها دورًا فاعلًا بتوثيق الانتهاكات الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني، وتحذير المجتمع الدولى من الصمت على الجرائم المتواصلة.
تلك العقوبات الاقتصادية تفرضها الولايات المتحدة بهدف التأثير على سلوك دولة أو منظمة أو أفراد، دون اللجوء إلى القوة العسكرية. تشمل هذه العقوبات قيودًا تجارية، وتجميد أصول مالية، وحظر استيراد أو تصدير سلع وخدمات، وقيودًا على التحويلات المصرفية أو السفر، وتختلف العقوبات فى شدتها ونطاقها، إذ يمكن أن تكون شاملة «تطال دولة بأكملها» أو مستهدفة «تركز على أفراد أو منظمات بعينها».
وقد انتقد كثيرون القرار، منهم مديرة العدالة الدولية فى منظمة هيومن رايتس ووتش ليز إيفنسون، إذ قالت إن قرار الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على فرانشيسكا بسبب سعيها لتحقيق العدالة عبر المحكمة الجنائية الدولية هو فى الواقع محاولة لإسكات خبيرة أممية تقوم بواجبها فى قول الحقيقة بشأن الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومطالبة الحكومات والشركات بعدم التواطؤ. فرانشيسكا، هى أول امرأة تتولها منصبها بشأن الأراضى المحتلة، وهى إيطالية أوشكت على بلوغ الخمسين عامًا، وقد أصبحت من أقوى الأصوات المدافعة عن الفلسطينيين، رغم حديثها بالإنجليزية الذى لا يخلو من بعض أخطاء النحو، لكنها خبيرة قانونية دولية، تحمل شهادة الحقوق من جامعة بيزا الإيطالية، وماجستير الحقوق من جامعة سواس البريطانية، وتتمتع بمكانة علمية ومهنية عالية. وقد عُرفت بمواقفها الصلبة فى مواجهة الدعايا الإسرائيلية، وكانت من أوائل من نفوا علنًا مزاعم الاحتلال بشأن قيام حماس بارتكاب جرائم ضد المدنيين، مثل الاغتصاب وقطع الرؤوس، وهى اتهامات كررها مسئولون أمريكيون كبار فى مقدمتهم الرئيس السابق جو بايدن دون دليل، بناءً على ادعاءات نتنياهو التى لم يفلح يومًا فى إثباتها.
كما أن عمل فرانشيسكا ينصب على إثبات تعمد الاحتلال ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم بقصفهم وتجويعهم ليل نهار وتحويل منازلهم خرابًا، ليس من بدء طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر 2023 فحسب، بل بالنظر أيضًا إلى تاريخ فلسطين ومحاولات الاحتلال القديمة إلى تشريد الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم بالكامل.
فرانشيسكا اليوم ليست صوتًا حقوقيًا فى الأمم المتحدة فحسب، بل أصبحت رمزًا عالميًا للضمير الإنسانى فى مواجهة القوة الغاشمة، ووجودها فى المشهد الدولى أصبح عبئًا ثقيلاً على دولة الاحتلال وحلفائها، فكان لابد من أن تكون من المغضوب عليهم أمريكيًا.
جوتيريش.. أدان حرب الإبادة الإسرائيلية
فهددت واشنطن بتخفيض الدعم للأمم المتحدة
فى ظل استمرار إسرائيل فى حربها البربرية ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، بات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش هدفا لحملة انتقادات شرسة يقودها الاحتلال وواشنطن، بسبب تصريحاته الحادة والمباشرة ضد الانتهاكات الإسرائيلية والمعايير الغربية والأمريكية المزدوجة.
جوتيريش، الذى يقترب من نهاية ولايته، اختار أن يسجل موقفا مبدئيا تجاه المأساة فى غزة، إذ وصف ما يحدث بأنه عقاب جماعى بحق الفلسطينيين، وألمح فى خطاباته المتكررة إلى أن ما يقوم به الاحتلال يرقى إلى «إبادة جماعية.
جاءت ذروة الانتقادات ضد جوتيريش عقب كلمته فى مجلس الأمن الدولى عقب اندلاع الحرب، وهو ما أثار غضب الحكومة الإسرائيلية، التى سارعت لإعلانه شخصاً غير مرغوب فيه، ومنعته من دخول الأراضى المحتلة والمحت واشنطن إلى غضبها.
ورغم أن جوتيريش يسعى إلى الحفاظ على التوازن فى تصريحاته، والدعوة بشكل متكرر إلى التهدئة وحماية المدنيين من جميع الأطراف، سواء فى إسرائيل أو فى غزة، إلا أن إسرائيل ترى أن مواقفه تغفل بشكل كبير عن التهديدات التى تواجهها.
كما لجأ جوتيريش للمرة الأولى إلى المادة «99» من ميثاق الأمم المتحدة التى تتيح له لعب دور شخصى مباشر وأن ينبه مجلس الأمن إلى أيّ مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدولي.
ومع اقتناعه الكامل بأن الاحتلال الإسرائيلى يسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني، طالب المجلس بإصدار قرار بالوقف الفورى لإطلاق النار فى غزة.
ولكن كعادتها لجأت واشنطن إلى الفيتو لتحول دون صدور أى قرار يدين حليفتها إسرائيل لتتحول واشنطن من داعم إلى شريك فى الإبادة.
وفى مطلع العام الجارى حث الأمين العام للأمم المتحدة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على تجنب أى شكل من أشكال التطهير العرقي، مشددا على ضرورة الالتزام بالقانون الدولى عند البحث عن حلول للقضية الفلسطينية. وجاءت تصريحات جوتيريش، ردا على الاقتراح الصادم للرئيس الأمريكي، الذى كشف خلال مؤتمر صحفى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى البيت الأبيض، عزم بلاده الاستيلاء على غزة بعد تهجير كامل سكانه من الفلسطينيين إلى دول أخري.
وقال جوتيريش إن أى سلام دائم سيتطلب إحراز تقدم ملموس لا رجعة عنه، ويتسم بالدوام نحو حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، تمثل غزة جزءا لا يتجزأ منها.
أضاف أن الدولة الفلسطينية القابلة للحياة ذات السيادة التى تعيش جنبا إلى جنب فى سلام وأمن مع إسرائيل هى الحل المستدام الوحيد لاستقرار الشرق الأوسط.
ومع دخول الإدارة الأمريكية على خط المواجهة ودفاعها المتواصل عن جرائم الاحتلال الاسرائيلي، وجهت واشنطن تهديدات علنية للمنظمة الدولية وأمينها العام بخفض التمويل الموجه للأمم المتحدة إذا قامت الأخيرة بتخفيض وضع اسرائيل فيها، واتهم عدد من المسئولين الأمريكيين الأمم المتحدة وأمينها العام بأنها ليست طرفاً محايداً وأنها منحازة بشكل قاطع ضد اسرائيل.
غزة أغلى من الشهرة
روجر ووترز: كونك موسيقيًا يعنى عدم التخلى عن معتقداتك
كتب – طارق منير
روجر ووترز موسيقى بريطانى وأحد الأعضاء المؤسسين لفريق الروك الأسطورى بينك فلويد، يعرف بأنه من أشد المنتقدين لسياسات إسرائيل منذ سنوات، وطالما دعم فلسطين فى الصراع مع إسرائيل، وكان دائماً يلقى باللوم على ما يُسمى «اللوبى اليهودي» فى السيطرة والنفوذ العالميين، كما دعم حركة «مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها» «بى دى إس».
تعرَّض ووترز لانتقادات على مر السنين لاستخدامه منصته للتعبير عن مواقف سياسية، وتضمَّنت جولة ألبومه الأخير الذى يحمل عنوان «هذا ليس تدريباً» رسائل تدين تصرفات قادة عالميين مختلفين، بمن فيهم الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن، الذى وصفه بـ»مجرم حرب».
هاجم روجر ووترز ما اعتبره «حملة تشهير شنيعة ومخزية أدانته بمعاداة السامية»، وأكد أنه سخَّر صوته لنضال عمره 75 عاماً من أجل مناصرة المساواة فى الحقوق الإنسانية، خاصة فى فلسطين، وأكَّد إيمانه بأن «كونك موسيقيًا يعنى عدم التخلى عن معتقداتك»، وقال: «إذا كنتَ فنانًا وتمتلك مبادئ سياسية، فإن المجالين متشابكان لا ينفصلان».
فى أبريل 2023، حصل ووترز على حكم قضائى لمصلحته بعد أن اعترض على قرار محكمة ألمانية أصدرت أمراً بإلغاء حفله بعد اتهامه بأنه «واحد من أكثر الأشخاص المعروفين بمعاداتهم للسامية فى العالم».
قبل عملية الطوفان بأسبوعين فقط، مُنع ووترز من إلقاء كلمة فى حرم جامعة بنسلفانيا وسط مزاعم بمعاداة السامية أيضا، حيث كان من المقرر أن يشارك فى حلقة نقاش ضمن «مهرجان فلسطين للكتاب الأدبي» ولكن بعد وصوله إلى الولاية، نشر فيديو على إنستجرام يقول فيه إنه أُبلغ بأنه لن يُسمح له بدخول القاعة فقط سيظهر عبر تطبيق زووم.
قال ووترز: «إذا استطاعوا أن يجعلوك تفكر وتتحدث عن معاداة السامية، فلن تفكر فى حقيقة أن الفلسطينيين لا يتمتعون بحقوق الإنسان فى الأراضى المحتلة، هذا ما يجب أن نتحدث عنه فى بنسلفانيا، وليس ما إذا كان روجر ووترز معاديًا للسامية أم لا».
لكن مواقفه بعد حرب غزة الأخيرة فى أكتوبر 2023 دفعت العلاقة بينه وبين الولايات المتحدة إلى نقطة تصادم غير مسبوقة، حيث تحول روجر الفنان إلى «عدو ثقافي» فى نظر الدوائر الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وواجه استهدافًا واسعًا لحفلاته، وأعماله، بل وحتى شخصه.
فى 20 أكتوبر 2023 قال ووترز فى بيان نشره عبر حساباته الرسمية: «ما يحدث فى غزة هو إبادة جماعية. لا توجد كلمات تصف هذا الصمت الغربى المخجل. الولايات المتحدة شريكة فى هذا القتل».
كما ساهم فى تسليط الضوء بصورة مستمرة على ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة بشكل حاسم من خلال مقاطع فيديو ومنشورات على حساباته على منصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى استخدام حفلاته الموسيقية للتنديد بالحرب، حيث عُرضت خلالها فى أوروبا صور لأطفال فلسطينيين قُتلوا فى القصف، ورسائل كتب عليها «أوقفوا دعم الاحتلال» و»العدالة لغزة الآن».
كان رد الفعل الأمريكى أكثر شراسة من ذى قبل، وفق تحقيق نشره موقع The Intercept فى يناير 2024، تواصلت وزارة الخارجية الأمريكية سرًا مع حكومات أوروبية للضغط من أجل فرض قيود على حفلات ووترز، بذريعة «الترويج للكراهية السياسية». كما نُشرت وثائق مسرّبة من مكتب التحقيقات الفيدرالى «FBI» تكشف أن الوكالة راقبت نشاط ووترز الإلكترونى وارتباطاته بمنظمات تدعو للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
بناء عليه ألغت شركة توزيع الحقوق الموسيقية «بى إم جي» التى تتخذ من ألمانيا مقراً لها اتفاقها مع ووترز، وفى هذا السياق، أفادت مجلة «فاريتي» بأنه صرح بنفسه عن تعرضه «للطرد» من قبل الشركة على خلفية ضغوط مارستها جهات موالية لإسرائيل.
فى مقابلة له مع Democracy Now فى فبراير 2024، قال ووترز: «هم يريدون إسكاتي، لكننى لن أكون شريكًا فى جريمة صمت جماعية، إذا خسرت حفلاتى أو دخلى بسبب ذلك، فأهلاً بالخسارة. لأن غزة أغلى من الشهرة».
كما أعلن لاحقًا أنه سيخصص جزءًا من عائدات ألبومه القادم لصالح منظمات إنسانية تقدم الدعم لغزة، رغم أن بعض هذه المنظمات نفسها تواجه ضغوطًا أمريكية بسبب عملها فى القطاع
دا سيلفا.. تعرض لحملة شرسة
بسبب رفضه لتحالف واشنطن ــ تل أبيب
عواصم– وكالات الأنباء:
عرف عن الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا أنه يحاول استعادة صورة بلاده كقوة أخلاقية على الساحة الدولية. ففى فبراير 2024، دخل لولا دائرة الغضب الأمريكى عندما اطلق تصريحًا صادمًا وصف فيه العدوان الإسرائيلى على غزة بأنه «أسوأ من الهولوكوست»، فى خطوة أدت إلى تصعيد دبلوماسى حاد مع تل أبيب وواشنطن، ووضعت الرئيس البرازيلى فى مرمى الاتهامات الغربية بـ»التحريض والكراهية».
هذه المقارنة فجّرت موجة من الانتقادات الدولية، أولها من إسرائيل، التى استدعت السفير البرازيلى وطالبت باعتذار رسمي، ثم أعلنت فى اليوم التالى أن لولا «شخص غير مرحّب به» على أراضيها، فيما أعلن وزير الخارجية الإسرائيلى أن «البرازيل خسرت حيادها الأخلاقي».
وجاء الرد الأمريكى سريعًا، حيث أدانت الخارجية الأمريكية التصريح، واعتبرته «مقارنة غير مسئولة وخطيرة تحرّض على الكراهية». بعدها أُلغيت محادثات كانت مقررة بين واشنطن وبرازيليا حول التعاون التكنولوجى العسكري، وتم تأجيل زيارة وزارية رفيعة للبرازيل كان يُفترض أن تتم فى مارس 2024.
كشف موقع أكسيوس الأمريكى أن إدارة الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن طلبت من بعض حلفائها فى أمريكا اللاتينية الضغط على لولا للتراجع عن تصريحاته، وهددت بتقليص الدعم المالى لبعض برامج التعاون الأمني.
رغم كل هذه الضغوط، رفض الرئيس البرازيلى الاعتذار أو التراجع. ففى مقابلة مع قناة «جلوبال نيوز» فى 24 فبراير، قال: «إذا كانت الحقيقة تزعجهم، فليكن. نحن لن نساوى بين من يُدفن تحت الركام وبين من يضغط على الزناد من السماء».
كما أعلن أن بلاده ستواصل إرسال مساعدات إنسانية إلى غزة، رغم العقبات اللوجستية، وأكد أن سفارة البرازيل فى رام الله ستُرفع إلى مستوى «بعثة دبلوماسية كاملة».
كان المشهد المثير لغضب واشنطن وتل أبيب عندما رفع الرئيس البرازيلى علم فلسطين خلال افتتاح الدورة الرابعة للمؤتمر الثقافى الوطنى فى العاصمة برازيليا فى مارس 2024.
بث التليفزيون الرسمى البرازيلي، مشاهد مصورة للرئيس دا سيلفا وهو يحمل العلم الفلسطينى بجانب الشاعر البرازيلى أنطونيو مارينيو، والمغنية الشابة وزيرة الثقافة مارغريت مينيزيس، وسط تصفيق حار من الحضور.
بدورها، شنّت وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى حملة شرسة ضده، إذ وصفته «واشنطن بوست» بأنه «شعبوى يستخدم دماء الأبرياء لكسب الشعبية»، فيما اعتبرت CNN أن لولا «ينسف علاقات بلاده مع الغرب لحساب دعاية معادية للسامية».
كما اطلق اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة حملة ضغط ضد لولا فى الكونجرس، تهدف إلى تعليق بعض برامج المساعدات المشتركة، وطالب أكثر من 30 عضوًا فى مجلس النواب الأمريكى إدارة بايدن بمراجعة العلاقة مع البرازيل «ما دامت تحت حكم رئيس يدافع عن الإرهابيين»، فى إشارة إلى وصف لولا لحماس بأنها «حركة مقاومة».
رغم هذا الغضب الأمريكي، لاقى موقف لولا دعمًا واسعًا فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. إذ أشادت به فنزويلا وكوبا وجنوب افريقيا وماليزيا، واعتبرته شخصيات دولية «ضميرًا إنسانيًا فى عالم خائف من قول الحقيقة»، بحسب تعبير رئيس جنوب افريقيا سيريل راما فوزا.