تشهد الساحة الدولية تطورًا لافتًا فى المواقف السياسية الغربية تجاه القضية الفلسطينية، مع إعلان عدد متزايد من الدول الغربية نيتها الاعتراف الرسمى بدولة فلسطين خلال اجتماعات الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل. وفى حين كانت إسرائيل، لعقود، تحظى بدعم غربى شبه مطلق، فإن هذا التحول فى مواقف العواصم الغربية يشير إلى بداية مرحلة جديدة من العزلة الدولية المتزايدة لتل أبيب، لا سيما فى ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة، وما رافقها من مشاهد إنسانية مروّعة أثارت غضبًا عالميًا.
أحدث تطور بارز فى هذا السياق جاء من العاصمة البرتغالية لشبونة حيث أعلن رئيس الوزراء لويس مونتينجرو، أن بلاده تعتزم الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين فى سبتمبر المقبل، فى خطوة سياسية تعكس موقف البرتغال الداعم لحل الدولتين.
وأوضح مونتينجرو أن بلاده تعمل حاليًا على استكمال الإجراءات السياسية والدبلوماسية اللازمة للاعتراف، بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين والدوليين.
فى الوقت نفسه قال وزير الخارجية الألمانى يوهان فاديفول إن إسرائيل تزداد عزلة على الصعيد الدبلوماسى بسبب الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، مشددا على انه حان الوقت للاعتراف بدولة فلسطين.
وأكد الوزير فى بيان قبل التوجه إلى إسرائيل، أن مؤتمر الأمم المتحدة الأخير حول حل الدولتين فى النزاع الإسرائيلى الفلسطيني، والذى قاطعته الولايات المتحدة وإسرائيل، يظهر أن «تل أبيب تجد نفسها بشكل متزايد ضمن الأقلية».
وفى تصريحات سابقة حذّر الوزير من ضم إسرائيلى محتمل لمناطق فلسطينية. وقال فاديفول، المنتمى للحزب المسيحى الديمقراطى الذى يتزعمه المستشار فريدريش ميرتس ان هناك ساسة فى إسرائيل يقولون باستمرار إننا سنضمها، مضيفا أن ألمانيا لا تُوافق على المستوطنات غير الشرعية فى الضفة الغربي.
لطالما كانت ألمانيا من أقرب حلفاء إسرائيل، ومؤخرا بدأت هى الأخرى فى تغيير لهجتها. ففى الأسابيع الأخيرة، صعدت برلين من ضغوطها على تل أبيب لتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، بل انضمت مؤخرًا إلى جهود الإنزال الجوى للمساعدات باستخدام طائرات عسكرية.
جاء ذلك بعد ساعات من إعلان كندا اعتزامها الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة، مشيرًا إلى أن هذا القرار يأتى مشروطًا بإجراء إصلاحات فلسطينية، على رأسها تنظيم انتخابات عامة عام 2026 واستبعاد حركة حماس من المشاركة، إلى جانب التزام الدولة الفلسطينية المستقبلية بنزع السلاح وهى شروط أثارت جدلاً واسعًا، لكنها لم تحجب أهمية الخطوة الكندية فى دعم حل الدولتين.
القرار الكندى لاقى استحسانا من عدة دول، أولها فرنسا التى أعلنت ترحيبها بموقف كندا الداعم للاعتراف بدولة فلسطين، مؤكدة على لسان الرئاسة الفرنسية أنها ستواصل جهودها «لحث دول أخرى على اتخاذ خطوة مماثلة».
كما رحّب الرئيس الفلسطينى محمود عباس بإعلان كندا، واصفًا الخطوة بأنها «موقف تاريخى وشجاع»، مؤكّدًا التزام السلطة الفلسطينية بإجراء الانتخابات العامة، وإعادة توحيد المؤسسات، وتحقيق الأمن من خلال «سلاح شرعى واحد ودولة واحدة وقانون واحد».
ودعا عباس خلال اتصال هاتفى مع رئيس الوزراء الكندى إلى أن تحذو دول أخرى حذو أوتاوا، مطالبًا برفع الحصار، ووقف التهجير القسري، وإطلاق سراح الأسري، والسماح لدولة فلسطين بممارسة سيادتها على كامل أراضيها بما فى ذلك قطاع غزة.
أما أستراليا، التى لم تعلن بعد موقفًا رسميًا بالاعتراف، فقد عبّر رئيس وزرائها أنتونى ألبانيزى عن دعم قوى لحل الدولتين، وتأييده «حق الفلسطينيين فى قيام دولتهم». وذكرت وكالة «رويترز» أن ألبانيزى ناقش هذا الملف مع نظيره البريطاني، واتفقا على ضرورة الدفع باتجاه وقف إطلاق النار فى غزة، والإفراج عن المحتجزين، وتسريع دخول المساعدات، ومنع مشاركة حماس فى الدولة المستقبلية.
كانت اجتماعات نيويورك الوزارية التى عقد الأسبوع الماضى قد شهدت صدور «إعلان نيويورك»، الذى وقّعت عليه 15 دولة غربية من بينها فرنسا، وكندا، وأستراليا، وأندورا، وفنلندا، وأيرلندا، ولوكسمبورج، ومالطا، ونيوزيلندا، والنرويج، والبرتغال، وسلوفينيا، وإسبانيا.
وأكد الإعلان الجماعى على «العزم المشترك للاعتراف بدولة فلسطين»، داعيًا الدول التى لم تقم بذلك بعد إلى اتخاذ خطوة مماثلة. وركّز البيان على ضرورة إنهاء حكم حماس فى غزة، وتسليم الأسلحة إلى السلطة الفلسطينية، ورفض أى تغييرات ديموغرافية أو إقليمية قسرية.
التحركات الحالية تأتى بعد أن سبقتها إعلانات رسمية من دول أوروبية بارزة، منها إسبانيا والنرويج وأيرلندا، التى اعترفت بدولة فلسطين فى مايو الماضي، لتكون من أوائل دول أوروبا الغربية التى تتخذ هذه الخطوة بشكل رسمي.
وبذلك، باتت دائرة العزلة تضيق أكثر فأكثر على إسرائيل، التى باتت تواجه تحالفًا دبلوماسيًا دوليًا غير مسبوق يطالب بوقف الحرب والاعتراف بالحقوق الفلسطينية. فما كان يُنظر إليه قبل سنوات على أنه مجرد مطلب رمزي، تحوّل الآن إلى ضغط دولى ممنهج ومتزايد على إسرائيل، التى لم تعد تتمتع بالإجماع الغربى الذى طالما اعتمدت عليه.