من مفارقات القدر أنى ولدت قبل ميلاد «الجمهورية» بيومين، إذ وُلدت الجريدة من رحم ثورة يوليو فى 7 ديسمبر 1953؛ مدافعة عن أحلامها وآمالها، وقد بدأتُ رحلة كفاحى فى أروقتها لأكثر من 45 عاماً.. عاصرت فيها كثيرًا من الأحداث والأشخاص والمواقف والتحولات الكبرى ولم نتوان عن البذل والعطاء ما وسعنا الجهد..!!
نجحت فى الثانوية العامة بمجموع كان يؤهلنى للالتحاق بأى كلية يتمناها خريج القسم الأدبى أيامها، لكنى مدفوعاً بعشقى للصحافة فضلت معهد الإعلام الذى حل بديلاً لقسم الصحافة بآداب القاهرة.. وبالفعل تقدمت للمقابلة الشخصية التى نجحت فى اجتيازها ضمن مائة وخمسين آخرين من إجمالى 1000 طالب تقدموا لها.. ويومها التقيت الصحفى الكبير جلال الحمامصى رائد المهنية والالتزام الذى تأثرت به مع كثيرين غيرى من أبناء دفعتي، ولمَ لا وقد كان الرجل أحد رواد الكتابة والحملات الصحفية والإخراج وصاحب المقالات القوية والبصمات وقد تشربنا على يديه مبادئ الصحافة وأساسياتها فى قاعات الدرس وفى التدريب العملى بجريدة صوت الجامعة، كما أخذ بأيدينا لارتيادها بشغف ورغبة فى تحقيق الذات حتى اجتزنا أولى محطاتها وأجملها لأعمل بعدها محررًا بجريدة الجمهورية التى كان يرأس تحريرها آنذاك الصحفى الكبير محسن محمد بقرار من الرئيس السادات عام 1975، والحق أنى عرفته منذ كان مديراً لتحرير الأخبار حيث كنت أقضى فترة تدريبي، إذ طلب منى الانتقال معه للجمهورية بعد أن جرى تكليفه برئاسة تحريرها.. تعلمت على يديه الكثير والكثير فقد كان قارئاً جيداً وصحفياً من طراز فريد يعرف كيف يجذب القراء وقد ارتفع بتوزيع الجمهورية من 38 ألف نسخة إلى 800 ألف، وهو رقم غير مسبوق ليس فى الجمهورية وحدها بل فى كل الصحف المصرية والعربية آنذاك.
«الجمهورية» كانت أجمل محطات حياتى حيث صدر قرار تعيينى فيها دون واسطة ولا محسوبية فى 1976 عام تخرجي؛ فى ظل قيادة محسن محمد الذى كان يرفض المجاملة والوساطة ولا يرضى بغير الكفاءة والمهنية معياراً ومسوغاً للتعيين..
وقد ترقيتُ خلال رحلة عملى بالجمهورية من محرر لرئيس قسم ثم نائباً لرئيس التحرير ثم نائباً أول، فرئيساً لتحرير كتاب الجمهورية ثم رئيساً لمجلس إدارة دار التحرير (الجمهورية للصحافة) والحمد لله أنى مع كل صعود فى عملى لم أكن أطلب ترقية ولا منصباً من أحد، بل كان صعودى بتوفيق الله وإيمانى بأنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، ومن ثم اجتهادى وحبى للمهنة.
وثمة محطة أراها مهمة فى مشوارى الصحفى وهى تكليفى من الكاتب الصحفى الكبير سمير رجب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير بتأسيس والإشراف على قسم 139 جمهورية «الخط الساخن» الذى انفرد بتقديم خدمة صحفية انفردت بها الجمهورية وامتازت على سائر الصحف فى العالم العربى كله؛ إذ كان مندوبوه الذين شاركت فى اختيارهم كشرط لقبول الإشراف على القسم، يتواصلون مباشرة مع «الديسك»، ويتلقون شكاوى الناس واستغاثاتهم واتصالاتهم، والطواف بها على المصالح والأجهزة الحكومية المختلفة وطرق أبواب المسئولين بحثاً عن حق تأخر عن صاحبه، أو دفعاً لمشقة قد لا يطيقها ذوو الحاجة والأعذار .. ومنهم من يقوم على صياغتها وإعدادها للنشر وتحويلها لتحقيقات وحملات صحفية عاجلة حققت نجاحات باهرة شكلت قناة تواصل سريعة بين المسئول والمواطن.
وبعد أحداث يناير 2011 بادرت بتقديم استقالتى من رئاسة مؤسسة دار التحرير دون تردد فى اجتماع دُعيت إليه ضمن قادة الإعلام القومى والخاص مع رئيس الوزراء آنذاك الفريق أحمد شفيق ومن قبله فى اجتماع المجلس العسكري.. كما طلبت من جميع الزملاء ومنهم أحياء يرزقون أطال الله أعمارهم أن يتنحوا عن مواقعهم لإفساح الطريق لجيل جديد بروح المرحلة الجديدة، استجابة للمطلب الأول للمتظاهرين بإبعاد كل من له صلة بالنظام السابق.
لقد تقدمت باستقالتى 3مرات ومعى الزميل عبدالقادر شهيب رئيس دار الهلال وقتها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفى النهاية تم قبولها، بعد أن رفض بقية الزملاء ترك مواقعهم طواعية ومواءمة لظروف كانت تحتم الاستقالة التى كانت ستجيء عاجلاً أم آجلاً..وربما كان قبولها سبباً فى التعجيل بالتغييرات الصحفية التى طالت الجميع
وفى مسيرة الجمهورية تاريخ عريق ازدان بعمالقة الفكر والأدب؛ مثل عميد الأدب العربى طه حسين الذى كان واحداً من رؤساء تحريرها وهو ما جعلها ديواناً للأدب ونبراساً للثقافة.. كما أسهم فى تحريرها كبار الكتاب ليس فى الأدب وحده بل فى الفنون والقانون والتاريخ والدين والطب والعلم ويضيق المقام عن ذكر هؤلاء القامات الأفذاذ.
وأذكر أن دفعتى (76 صحافة ونشر) كان عددهم 78 أذكر منهم : د.ليلى عبد المجيد ود.نجوى كامل وعماد الدين أديب وعمرو عبد السميع وحمدين صباحى وعبدالله السناوى وغيرهم مما اعتز بهم جميعاً وافخر أيضا بأننى كنت الوحيد من دفعتى الذى تولى رئاسة مؤسسة صحفية قومية كبرى كان أول من رأسها الرئيس الراحل أنور السادات.
ويبقى أننى حاولت قدر المستطاع إدخال أحدث التكنولوجيا فى عالم الصحافة وفنونها للجمهورية.