شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تحولاً جوهريًا منذ تولى الرئيس ترامب السلطة،إذ كان هذا التحول مدفوعًا بأجندة «أمريكا أولاً» التى طرحها ترامب، وحيث أصبح كل شيء محلاً للمساومة، وأصبح هناك الكثير على المحك. يشكل هذا تحولاً حاسمًا عن التعددية التى تقودها الولايات المتحدة والنظام الدولى القائم على القواعد الذى كان يميز الحقبة التى تلت الحرب العالمية الثانية. بدلاً من ذلك، تعكس سياسات ترامب الآن رؤية عالمية تُحدّد فيها ديناميكيات القوة بواسطة سياسات الرجل القوى والاتفاقيات الثنائية مع أى دولة، مما يعيد تشكيل علاقات أمريكا مع حلفائها وأعدائها على حد سواء، ويُلغى القواعد الدبلوماسية التى كانت تُوجه سياساتها.
تدّعى إدارة ترامب بأن الولايات المتحدة قد تحملت عبئًا أكبر فى الحفاظ على الاستقرار العالمى مقارنةً بحلفائها الذين لم يساهموا بنصيبهم العادل. وقد أسهمت هذه المشاعر فى دفع عملية إعادة التفاوض على التحالفات طويلة الأمد، لا سيما مع أوروبا. والآن، يواجه القادة الأوروبيون، الذين اعتادوا على عقود من القيادة الأمريكية ضمن حلف الناتو والمؤسسات الأخري، شريكًا أكثر تبادلاً وتصادماً.
تتجاوز تداعيات هذا التحول حدود أوروبا. حيث تعتمد السياسة الخارجية لإدارة ترامب على تكتيكات تشبه الاستراتيجيات الإمبريالية، من خلال ممارسة الضغوط على الحلفاء، وتهديدهم بالعقوبات الاقتصادية، وتجاهل القواعد الراسخة. فقد أصبح ينظر إلى الدول الآن على أنها فرص للمرابحة، والبحث عن أفضل صفقة لتحقيق أقصى استفادة للولايات المتحدة. تتحدى هذه المقاربة الفكرة التقليدية للغرب ككيان موحد، مما يقوِّض التماسك الذى كان يميز العلاقات عبر الأطلسي.
أحد الجوانب البارزة فى إستراتيجية ترامب هى محاولته إعادة تحديد موقع أمريكا على الساحة العالمية. ويكمن المحور الرئيسى فى هذا الجهد فى السعى لإعادة تعريف العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، بهدف خلق فجوة بين موسكو وبكين. وفى خطوة غير مسبوقة، انتقد ترامب زيلينسكى علنًا فى المكتب البيضاوى أمام العالم. ويبدو أنه بدأ يميل نحو روسيا من خلال التصويت لصالحها فى الأمم المتحدة ضد قرار يدين العدوان الروسى على أوكرانيا. من الواضح أنه يرى روسيا كشريك إستراتيجى مفيد لتقليص تهديد الصين. ومع ذلك، أرى أن هذا الجهد من غير المرجح أن ينجح، بالنظر إلى عمق التعاون بين روسيا والصين فى مواجهة النفوذ الغربى خلال السنوات الماضية والعلاقة الوثيقة بين البلدين.
أضاف صعود الصين كقوة عظمى عالمية وتزايد تكافؤها مع الولايات المتحدة فى المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية مزيدًا من التعقيد إلى هذه المعادلة. بالنسبة لترامب، فإن معالجة ما يراه توازنًا عالميًا غير مناسب يتطلب اتخاذ خطوات جريئة ومثيرة للجدل. إن استعداد إدارته لتجاوز المعايير الدولية يسلط الضوء على رفض أوسع للليبرالية الدولية التى كانت تشكل الركيزة الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية فى الماضي.
وبينما يواجه العالم هذا الوضع الراهن الجديد بشكل جماعي، تظل العواقب طويلة المدى لنهج ترامب غير واضحة. ومع ذلك، ما هو جلى هو أن الركائز التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية تُفكك وتُستبدل بإطار عمل أحادى الجانب يركز على القوة. ما إذا كان هذا سيؤدى فى النهاية إلى تعزيز أو إضعاف مكانة أمريكا العالمية، يبقى أمرًا غير مؤكد، حيث يترقب العالم بقلق لمتابعة الخطوة التالية لهذه الإدارة.