منذ عقود طويلة، ظلت مصر حاملة للواء الدفاع عن القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب المركزية لم تكن القاهرة يوما على هامش الأحداث، بل كانت فى قلبها تحركها المبادئ وتحكمها ثوابت وطنية وقومية وأخلاقية لا تقبل التراجع أو التبديل وفى ظل الحرب الدائرة فى قطاع غزة تؤكد مصر مجددا موقفها الثابت والداعم للشعب الفلسطينى وتبذل أقصى ما فى وسعها لإنهاء معاناته وفتح الأبواب أمام المساعدات الإنسانية.
وفى خطاب متلفز يحمل رسائل سياسية وإنسانية عميقة أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى نداء عاجلا إلى المجتمع الدولى دعا فيه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والأشقاء العرب إلى تحمل مسئولياتهم الأخلاقية والإنسانية والسياسية تجاه ما يحدث فى غزة كما وجه نداء شخصيا للرئيس الأمريكى دونالد ترامب قائلا: «أقدر الرئيس ترامب شخصيا وهو قادر على إيقاف الحرب وادخال المساعدات لقد حان الوقت لتحقيق ذلك».
الرئيس السيسى شدد فى كلمته على أن مصر لا يمكن أن تكون يوما طرفا سلبيا فى معاناة الفلسطينيين وقال: «دورنا محترم وشريف ولم ولن يتغير» مضيفا أن مصر حريصة على ادخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة فى ظل أوضاع مأساوية لا تطاق مشيرا إلى أن القطاع يحتاج يوميا إلى ما لا يقل عن 600 إلى 700 شاحنة مساعدات فى الظروف الطبيعية.
كما أوضح أن مصر ومنذ السابع من أكتوبر الماضى انخرطت بشكل فعال مع شركائها فى قطر والولايات المتحدة من أجل تحقيق ثلاثة أهداف محددة: وقف الحرب وإدخال المساعدات والافراج عن الرهائن ثلاثية إنسانية تؤكد حرص مصر على مصلحة الفلسطينيين وعلى استقرار المنطقة.
وفى الوقت الذى تروج فيه حملات تضليل ومزاعم مغرضة حول موقف مصر من معبر رفح جاءت تصريحات الرئيس السيسى واضحة وحاسمة أكد أن المعبر هو «معبر أفراد» وتشغيله مرتبط بوجود طرف على الجانب الآخر وأن هناك خمسة معابر متصلة بالقطاع إضافة إلى معبر كرم أبوسالم ورفح الذى لم يتم إغلاق الجانب المصرى منه وأضاف أن المساعدات المصرية الضخمة جاهزة للدخول منذ بداية الأزمة ولا تمنعها لا الأخلاق ولا القيم ولا المسئولية الوطنية ولكن تمرير تلك المساعدات يتطلب تنسيقا مع الطرف الآخر المتواجد داخل الجانب الفلسطينى من معبر رفح ليكون مفتوحا حتى يمكن استقبال هذه المساعدات وعبورها إلى القطاع.
لم تغب الأبعاد السياسية عن كلمة الرئيس حيث أعاد التأكيد على موقف مصر الدائم والثابت من حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء النزاع الفلسطينى الإسرائيلى كما جدد رفض مصر لأى محاولات للتهجير القسرى للفلسطينيين محذرا من أن مثل هذه الخطوات تقوض بشكل مباشر فكرة إقامة الدولة الفلسطينية وتؤدى إلى تصفية القضية.
أضاف أن المفاوضات مع الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى تتم بمشاركة فاعلة من قطر والولايات المتحدة لكنها كثيرا ما تعثرت ثم ما تلبث أن تنجح فى محاولة دءوبة لتحقيق انفراجة إنسانية وسياسية.
أطلق الرئيس السيسى فى كلمته نداء إنسانيا عاما إلى دول العالم خاصة الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة والدول العربية لحثهم على بذل أقصى الجهود فى هذا التوقيت الحرج لإيقاف الحرب وادخال المساعدات وإنهاء المأساة المستمرة.
وكانت لفتته الخاصة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب بمثابة دعوة شخصية تستند إلى تقدير وثقة داعيا إياه إلى استخدام مكانته وتأثيره لوقف القتال وضمان وصول المساعدات قائلا بوضوح: «لقد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب».
لا يستطع أحد أن يذكر أن مصر كانت ومازالت الحاضنة الكبرى للقضية الفلسطينية والداعمة الأمينة لحقوق الفلسطينيين ولم تكن القاهرة فى أى مرحلة وسيطا محايدا بل شقيقا حريصا على أمن الفلسطينيين واستقرارهم وكرامتهم.
وفى ظل تعقيدات المشهد واحتدام الصراعات تبقى مصـر ثابتــة على موقفــها: لا للتهجير، لا للتجــويع، لا للحلول المؤقتة، نعم للسلام العادل، ونعم لفلسطين حرة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
إن من يراجع المواقف المصرية على مدار السنوات سيجد أن بوصلتها لم تحد وأن سياستها لم تتاجر يوما بمعاناة الفلسطينيين بل كانت دائما صوت العقل وضمير الأمة والركن الذى يركن إليه فى المحن.
