تبدأ أغنية «قديش كان فيه ناس» للسيدة فيروز بعزف منفرد على البيانو جعلنى أسأل كل زملائى فى المرحلة الثانوية عن الملحن العبقرى لتلك الأغنية الجميلة، حتى علمت أنه «زياد الرحباني» وكنت أول مرة أسمع عنه وكان يبلغ من العمر عشرين عامًِا وهو ابن فيروز والفنان اللبنانى عاصى الرحباني، ومن يومها أصبحت أتوقع أن تكون كل أغنية جديدة لفيروز من تلحين ابنها زياد وهو ما لم يحدث بالطبع خلال الخمسين عامًا الأخيرة.
وعندما التحقت بكلية الإعلام وجدت كل الطلبة والطالبات يستمعون لأغنية «ع هدير البوستة» وكانت بالفعل أغنية جديدة فى اللحن والكلمات والأسلوب واستخدام الأوركسترا، وهى تشبه القصة القصيرة التى تصف حال ركاب الباص بين ضيعتى «حملايا» و»تنورين» والشاب الذى يصف الركاب يتعلق بالعيون السوداء الجميلة لفتاة تدعى «عاليا» وهى أغنية تشبه بساطتها قصص الكاتب الشهير أنطون تشيكوف.
والحقيقة أن زياد رحبانى بقدر ما كان مجددًا فى الموسيقى العربية وفى تلحين أغانى والدته الأسطورة، إلا أنه أبدع مجموعة من أجمل الألحان الشرقية الأصيلة مثل: «أنا عندى حنين ما بعرف لمين» و»حبيتك تانسيت النوم» و»سلملى عليه» و»بعت لك يا حبيب الروح» وهى أغانى من الطرب الشرقى الخالص، وفى نفس الوقت قام زياد بتلحين عشرات الأغانى «المودرن» الحديثة والتى ينتمى بعضها لموسيقى الجاز الأمريكية مثل «صباح ومسا شى ما بيتنسي» و»وجدن» و»كيفك انت» و»عندى ثقة فيك»، وكنت أتمنى أن تكون لزياد علاقة ما بالموسيقى التصويرية للأفلام، و هو بالفعل وضع الموسيقى التصويرية لفيلم «وقائع العام المقبل» للمخرج السورى سمير زكي، كما عمل مع المخرجة اللبنانية راندة الشهال فى فيلمين «متحضران» عام 1999 و»طيارة من ورق» 2003.
كان زميلنا الصحفى الكبير حافظ سلطان من عشاق فيروز، ولا توجد أغنية لها قديمة أو جديدة إلا ويعرفها وكانت أغنية «عودك رنان» جديدة استمعت إليها مرات عديدة من إذاعة مونت كارلو التى كانت تذيعها كل ساعة تقريبًا، وقلت له عندى أغنية لفيروز لم تسمعها من قبل قال لى «مستحيل» فأعطيته شريط الأغنية وجاء للجريدة فى اليوم التالى بعد أن ظل يسمعها سعيدًا طوال الليل، والحقيقة أن «عودك رنان» حالة خاصة فى الغناء العربى لأنها قصيدة لحنية وغنائية فى تمجيد الموسيقى والعود والفن بشكل عام وتأثيره على الإنسان.
لقد احترم زياد الرحبانى الفن المصرى خاصة ابداعات سيد درويش وزكريا أحمد واعتبرها قمة الموسيقى الشرقية المتطورة والقادرة على الثأثير فى الأجيال الجديدة، بل إنه اعتبر الأخوين الرحبانى «والده وعمه» هما الامتداد الطبيعى لهؤلاء العمالقة.. رحم الله زياد الرحبانى بقدر ما أمتعنا طوال نصف قرن من الإبداع.