رأى أحد الملوك فى منامه رؤيا أزعجته، فقد رأى أنه فقد أسنانه وسقطت جميعها، فاستيقظ منزعجا متوترا، ضيق الصدر، ولم يصبر على ما رأى وأرسل إلى وزيره يطلب منه مفسر أحلام خبيرا، وبعد وقت قصير جاء المفسر وقص عليه الملك الرؤيا وهو يترقب تعبيرها، فقال له دون مقدمات أو تمهيد، إنك ستفقد جميع أفراد أسرتك وأهلك، فكان كمن رماه فى وجهه بحجر جلمود، من الصدمة التى لم يتوقعها.
وازداد انزعاج الملك وعصبيته وكان يؤنب نفسه سرا نادما، يقول ليتنى تكتمت الأمر أو تناسيته، ولم أبحث عن تفسير لهذا المنام، حاول أن يقنع نفسه أنه مجرد حلم بلا معنى ومن أضغاث الأحلام التى يراها الناس كل ليلة ولا تأثير لها فى الحياة، لكن بعد ما ألقاه ذاك المفسر على مسامعه، لم يستطع التحمل ولا الصبر، واستدعى وزيره مرة أخرى يطلب منه معبّرا أكثر خبرة وتخصصا بدلا من المشكوك فى أمره، الذى اعتبره يقول كلاما بلا دليل ويهرف بما لا يعرف.
خلال ساعات جاءوه بمفسر آخر مشهود له الكفاءة، وقص عليه الملك رؤياه دون أن يخبروه أن واحدا غيره سبقه إلى تفسيرها حتى لا يتأثر بما قاله سابقه، ومن جانب آخر، لعله يأتى بتفسير أفضل، أو على الأقل لا يكرر تلك الكلمات القاسية الصادمة.
وما أن سمع المفسر الرؤيا حتى علت وجهه ابتسامة، وقال للملك أبشر يا سيدى «أنت أطول أهل بيتك عمرا»، فتحول الموقف من الكآبة إلى السرور والحبور، وأقاموا الأفراح والليالى الملاح، وأمر بأن يجزلوا له العطاء تقديرا لمهارته وما جاء به من بشرى طول عمر الملك.
وفى الحقيقة، لم يكن هناك أى اختلاف فى تفسير الرؤيا بين الرجلين، وكلاهما فسرها بشكل صحيح، لأن الأسنان فى الحلم تعنى الأهل والأصدقاء، وإذا رأى شخص أنه يفقد أحد أسنانه أو أضراسه، فيدل على أنه يفقد عزيزا أو صديقا أو واحداً من أهل بيته، وهذه الرؤيا كا حدثت تعنى أن الملك سيفقد كل أهله، وفى نفس الوقت وعلى الوجه الآخر يكون آخرهم موتا أى أطولهم عمرا، لكن الفارق بين المفسريّن هو الأسلوب فى الإخبار بالأمر وطريقة الإبلاغ واختيار الكلمات والتعبيرات.
الأمر نفسه بين طبيب لآخر، فهذا يصدم المريض بحقيقة مرضه ويلقى فى وجهه بكلمات تهدم جهازه المناعى حتى لو كان الأمر بسيطا وعلاجه متاحا، لكنه يتحجج بأنه يصارح المريض ولا يخفى عنه شيئا، بينما هو فى الحقيقة يقتله بشكل مباشر، وطبيب آخر يهون على المريض حتى لو كان يعانى من الامراض المستعصية، بأن الحالة بسيطة ومع العلاج سيتم التحسن، مع بعض التحاليل والأشعة، وفى النهاية الشفاء من عند الله.
وفى هذا السياق ومن وسائل الدعاية المستفزة، نجد الإعلانات عن المدافن، وكأنها تدعو الناس لأن يموتوا ويطمئنوا، ويجب أن يستعدوا للموت وأن لا يخافوا لأن المقابر التى يروجون لبيعها يطلقون عليها مسميات مقابر «النعيم» أو «الرحمة» أو «المغفرة» وغيرها من الأسماء التى تجعل الناس يهرولون لشراء هذه المقابر، وكأنها الطريق إلى «الجنة».
هذه الأمثلة وغيرها الكثير مما نصادف فى حياتنا من تعاملات، تحتاج إلى حسن التصرف، لا الحماقة كما حدث مع تلك المرأة التى مات زوجها، فكان أصدقاؤه فى موقف محرج لا يعرفون كيف يبلغونها بالخبر، وإذا بأحدهم يأتى بما لم يستطعه الأوائل، ذهب وأخبرها بأن زوجها تزوج عليها، فراحت تصرخ وتولول وتدعو عليه بأن لا يهنأ بتلك الزيجة وأن يأتوا به إليها محمولا على الأكتاف، فإذا بالصديق يقول لها لقد تحققت أمنيتك، سوف يأتونك به ميتا محمولا.
صحيح هناك مواقف صعبة ليس من اليسير على الكثيرين مواجهتها والتعامل معها، وتحتاج إلى كياسة وفطنة، وهنا يجب على من لا يعرف أن يتريث ويسأل أصحاب الخبرة والرأى والعقلاء، حتى لا يسبب ردة فعل ربما تكون قاتلة.