منذ أكثر من ربع قرن كنت واحدة من الذين يظنون أن الثانوية العامة هى نهاية المطاف والمحطة الأخيرة لمن يريد التفوق فى الحياة وأنها المعيار الرئيسى لتقدير الأشخاص وتحديد نظرة المجتمع تجاههم وامتد هذا التصور حتى بعد دخولى الجامعة وإلتحاقى بكلية لم أكن اكتشفتها بعد فى ظل قرار اتخذته بإعادة المحاولة مرة آخرى لعل غايتى تتحقق فى الالتحاق بما كان يطلق عليه وقتها كليات القمة رغم أن ما التحقت بها كانت أيضاً من كليات القمة لكن جاءت القرارات وقتها عكس إرادتى ليتم إلغاء نظام التحسين قبل أيام معدودة من امتحانات نصف العام فى عامى الأول بالجامعة.
ذهبت إلى الجامعة أتحسس خطواتى الأولى فى توقيت قاتل لكنى وضعت أمامى خياراً أوحد وهو النجاح مهما كانت العقبات ربما أنجح فى استعادة جزء من نفسى المتحطمة بعد تجربة أبعدنى فى نهايتها نصف درجة عن الالتحاق بالكلية التى حلمت بها وخططت مستقبلى فى رحابها ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ووقف هذا النصف كجدار صلب ليحطم سفينة أحلامى.
المناهج التى درستها فى المرحلة الثانوية ساهمت بدرجة كبيرة فى اجتياز هذا الاختبار الذى وضعت فيه مكرهة كما كنت أظن قبل أن أدرك أن كل قدر جميل لأجد نفسى أعبر مرحلة عصيبة بسلام جعلتنى قادرة على استعادة أنفاسى المتقطعة لأعيد اكتشاف الأشياء وأنا على يقين راسخ بروعة القدر.. لم يكن الأمر اكتشافاً للأشياء بقدر ما كان إعادة اكتشاف الذات واكتشاف قدراتها وسرعان ما اكتشفت أن الكلية التى كتبها عليَّ القدر هى ضالتى التى مكنتنى من إبراز مواهبى والعمل فى مجال عشقته منذ نعومة أظافرى دون أن أدرك ذلك بسبب غشاوة وضعها على عينى حلم الالتحاق بإحدى كليات المجموعة الطبية.
أزعم أننى كنت متفوقة فى المواد العلمية وهو أمر برهنت عليه درجاتى فى الثانوية العامة والتى كانت نهائية باستثناء مادة واحدة ليضيع حلمى فى الإلتحاق بكلية الصيدلية الحلم الذى رسمت أحداثه وأنا فى المرحلة الابتدائية وباتت تفاصيله واضحة فى المرحلة الإعدادية لتأتى الثانوية العامة محطمة لكل الأحلام لكن فى حقيقة الأمر كانت بداية لحلم جميل عشته فى رحاب كلية الإعلام التى كانت الأقرب لمكوناتى الشخصية.
لا أنكر أننى عشت فى حالة حزن لا توصف بعد أن رأيت حلمى يتحقق لمن كانوا دون مستواى ولكن بعد سنوات أدركت أننى كنت مغيبة وباتت ذكرى هذه الأيام مضحكة بعد أن أدركت أن النجاح فى الحياة لا علاقة له بالكلية التى تدرس فيها ولكن بقدرتك على صناعة تفاصيل مختلفة تجعلك مميزاً حتى لو كنت تمتهن حرفة يدوية.
منذ أيام إلتقيت سيدة عظيمة نجحت بتفوق فى دراستها وعندما حان الموعد لتعيينها فى الجامعة التى تخرجت فيها تركت كل شئ وذهبت تبحث عن الإبداع فى ورشة صغيرة بحى الجمالية لتضحى هذه الورشة قبلتها للوصول للعالمية.
أخيراً أقول لكن من خاب حلمه فى الحصول على مجموع يؤهله للكلية التى كان يتمناها أن الثانوية العامة ليست نهاية المطاف.. ولا تدعوا سفينة أحلامكم تتوقف عن الإبحار فالنجاح لا يعرف كليات ولكن يعرف أشخاصاً لديهم القدرة على صياغة ما يصنع النجاح.