منذ أن وطأت الحركة الصهيونية قدمها على أرض فلسطين عام 1948، والعالم يشهد مأساة متواصلة لا تنتهى فصولها، ولا تخفت آلامها، مأساة شعب طُرد من أرضه، واحتُلّت مدنه وقراه، وحُوصر فى المخيمات لعقود طويلة، بينما يصور الإعلام الغربى، والأمريكى تحديداً، الجلاد فى ثوب الضحية، والضحية فى صورة الإرهابى.. لقد أصبحت إسرائيل فى هذه الرواية المزيفة، الدولة الصغيرة المحاطة بـ «الشر»، بينما الحقيقة الصارخة، التى لا يمكن حجبها مهما جرى، هى أن إسرائيل هى الإرهابى، هى المعتدى، هى المجرم، منذ اللحظة الأولى لتأسيسها.. واللافت فى هذا التكرار هو أن إسرائيل لم تكن يوماً فى موقع الدفاع، بل هى دائماً المعتدية.. من تهجير الشعب الفلسطينى عام 1948، إلى مذابح دير ياسين وقبية وصبرا وشاتيلا، إلى الاجتياحات المتكررة لغزة.
إن كل من يتحدث عن «إرهاب الفلسطينيين» ويتجاهل أن الاحتلال بحد ذاته هو أعلى درجات الإرهاب، فهو إما جاهل بالحقيقة أو شريك فيها.. كيف يمكن وصف مقاومة شعب يدافع عن أرضه، عن بيته، عن أطفاله.
السنوات الأخيرة، وبشكل خاص منذ الحرب الأخيرة على غزة، كشفت أكثر من أى وقت مضى الوجه الحقيقى لإسرائيل.. لم يعد هناك مجال للشك أو التبرير.. أكثر من 100 ألف مدنى فلسطينى قُتلوا فى أقل من عامين، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن.. أحياء كاملة سُويت بالأرض.. مستشفيات ومدارس ومساجد دُمرت.. عائلات أُبيدت بالكامل.. حتى مقابر الشهداء لم تسلم من القصف. إنها إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة، لا تختلف فى وحشيتها عما ارتُكب فى رواندا أو البوسنة أو دارفور.
الأسوأ من الجريمة التواطؤ معها.. الولايات المتحدة التى لا تكفّ عن التغنى بحقوق الإنسان والديمقراطية، تواصل دعمها المطلق لإسرائيل، بالمال والسلاح والفيتو السياسى.. ومعها حكومات غربية كثيرة تفضل الصمت أو التبرير بدلًا من الوقوف فى صف الحق.. ولكن الحقيقة أن الشعوب لم تعد صامتة.. رأينا الملايين فى أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا تخرج إلى الشوارع، إلى الجامعات، إلى المهرجانات، إلى ساحات كرة القدم، لتصرخ من قلبها: «فلسطين حرة»، و«إسرائيل دولة إرهابية».
فى النهاية، لابد من القول إن إرهاب إسرائيل لم يعد يُخفى بقناع «معاداة السامية»، ولا بشماعة «الدفاع عن النفس».. فالعالم بدأ يرى الحقيقة، وضمائر الشعوب بدأت تتحرك. وهذا ما تخشاه إسرائيل، وهذا ما سيحاصرها، ويعزلها، حتى ينكسر هذا الاحتلال الغاشم، وتعود الأرض لأصحابها، والعدالة لأهلها.