فى قصة إنسانية نادرة تجمع بين الإصرار والعزيمة والإرادة الصلبة، استطاعت سيدة مصرية بسيطة من إحدى قرى محافظة سوهاج أن تكتب فصلاً جديدًا فى الكفاح والإلهام، بعدما قررت أن تخوض تجربة غير مألوفة، وأن تعود إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع سنوات طويلة، ليس من أجل الشهادة فقط، بل لتحقيق حلم مزدوج يجمعها بابنها، ولتؤكد أن الإرادة لا تحدها السنون ولا تقف أمامها الظروف.
سارة أحمد «ربة منزل» وأم لثلاثة أبناء تقيم فى قرية باصونة التابعة لمركز المراغة شمال محافظة سوهاج، حصلت منذ سنوات على دبلوم تجارة، ثم انشغلت بتربية أبنائها وتدبير شئون منزلها، مكتفية بما حققته من تعليم سابق، غير أن حياتها أخذت منحى مختلفًا تمامًا حين وصل نجلها محمد إلى المرحلة الثانوية.
فى تلك اللحظة، لم تكن سارة تفكر فى التعليم باعتباره رفاهية أو حلمًا شخصيًا مؤجلًا، بل كانت تنظر إليه باعتباره وسيلة لمشاركة ابنها الطريق، وخوض التجربة سويًا، بكل تحدياتها وضغوطها.
تقول سارة عن هذا القرار الجريء: «قررت أن أكون شريكته فى المشوار وأن أعيش كل التفاصيل معه.. وأذاكر زيه، أتعرض لنفس الضغوط، ونشيل الهم سوا ونفرح سوا».
تضيف: لم تكن المهمة سهلة على الإطلاق، فقد كان عليَّ كأم التوازن بين أعباء المنزل ومتطلبات الأبناء الآخرين، وبين جدول دراسى صارم ومواد علمية لم أتعامل معها منذ سنوات، «كنت أطبخ وأنضف وأذاكر.. وأحيانًا ببدأ أذاكر بعد منتصف الليل.. فيه أيام كنت بذاكر 8 ساعات متواصلة، ومش بنام غير بعد ما أراجع دروس اليوم»، وحصلت معه على الثانوية العامة بـ 89 ٪ بينما حصل إبنى على 86 ٪ .
تتابع: «كنت أنا ومحمد بنتعامل كزميلين.. كنا نذاكر مع بعض، نحل مع بعض، نتنافس.. وأحيانًا كنت أنا اللى بشرح له.. والمذاكرة كانت جزء من حياتنا اليومية، زى الصلاة بالضبط.. كانت أسلوب حياة».
أما محمد، الطالب الذى وجد نفسه فجأة يتقاسم الكتب والمذاكرة والضغوط مع والدته، فلم يُخفِ دهشته فى البداية، لكنه ما لبث أن وجد فيها أكبر داعم. يقول: «والدتى كانت بتحفزنى وبتشجعني.. ما كانتش مجرد زميلة فى الدراسة، كانت دايمًا بتدفعنى أكمل، ولما كنت أتعب كانت هى اللى ترفع روحى المعنوية. ورغم أنها طالبة زينا، ما قصرتش فى مسئولياتها، وحصلت أنا على 86٪، لكن هى تفوقت عليّ وحصلت على 89٪ وأنا فخور بها جدًا».
القصة تحولت إلى حديث مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولها الآلاف باعتبارها نموذجًا فريدًا يُجسد معانى الكفاح الأسرى والمثابرة النسائية والتلاحم بين الأجيال. واعتبرها الكثيرون رسالة قوية إلى كل من يظن أن التعليم له سن محددة أو أن الظروف الصعبة تُلغى الأحلام.
استقبل ديوان عام المحافظة السيدة سارة ونجلها محمد، حيث قام الدكتور محمد عبدالهادي، نائب محافظ سوهاج، بتكريمهما ومنحهما درع المحافظة تقديرًا لتفوقهما وكفاحهما الفريد.
عبّر نائب المحافظ عن فخره الشديد بما قدمته سارة، قائلاً: سارة نموذج نادر يجب أن يُروى فى كل بيت ومدرسة، فالتعليم ليس قاصراً على سن معينة، وما قدمته هذه السيدة العظيمة هو رسالة حقيقية لكل مصرى بأن الإرادة وحدها كفيلة بصنع المعجزات. نأمل أن نراهم قريبًا من أوائل الكليات، فهم قدوة حقيقية يجب دعمها وتكريمها».
من جانبها قالت سارة: «أنا مش بس فرحانة بالنجاح، لكن لحظة التكريم دى أغلى من أى درجات.. حاسّة إن مجهودى مقدّر، وإن البلد شايفة الناس اللى بتتعب وبتحلم.. بشكر سيادة نائب المحافظ وكل حد احتفى بينا ورأى فينا نموذجاً يُحتذى به».