التعايش مع الشمس .. صناعة مصرية
مع إعلان هيئة الأرصاد عن تجاوز درجات الحرارة للمعدلات الطبيعية، وتخطيها حاجز الأربعين، وبلوغ الموجة الحارة ذروتها، تجد أن حياة المصريين لا تتوقف ولا يصيبها العطل، فهى قابلة دومًا للتكيف والتعايش. المصرى فى حالة تأقلم دائم مع الظروف، ولديه قدرة فطرية على العمل بالممكن، ولذلك تجد فى طرق التعايش مع الحر الكثير من الإبداع والاختراع الذى دعت إليه الحاجة.
ففى ذروة الموجة الحارة، ومع لسعة الشمس الحارقة، تجد من اتخذ من الشمسية أو «الكاب» وسيلة لحماية رأسه من الحرارة، وآخر قرر استخدام قطعة من الكرتون أو صحيفة ورقية كغطاء مؤقت لرأسه، والأكثر تطويعًا لأدواته هو عامل البناء الذى تضطره ظروفه للعمل تحت لهيب الشمس، فيستخدم «شكارة» أسمنت فارغة لعمل «طاقية»، بينما الفران الذى يعمل أمام النار لم يجد وسيلة أفضل من فوطة مبللة يضعها على رأسه لترطيب جلده ومنع تساقط العرق على العجين، وعمال النظافة فى الشوارع يحتمون تارة بظل الشجر وتارة بتاندات المحلات ويروون عطشهم من كولديرات السبيل ومبردات المياه المنتشرة بالشوارع والتى يحرص أهل الخير على تزويدها بألواح الثلج تخفيفا عن المارة ، ولأن المصريين أصحاب طابع خاص تجدهم يضعون ببعض هذه المبردات أنواعاً من العصائر المرطبة منها التمر هندى أو الخروب والسوبيا والمشروب الرسمى للصيف العرقسوس والذى ينتشر بائعوه بالشوارع مرددين جملتهم الشهيرة « المحل عالكتف والرزق على المولى بل ريقك يا عطشان» ، ومن الفاكهة أيضا ما هو معروف بنجوم الموسم كالتين الشوكى والذى يقبل كثيرون على تناولها بالشارع بعد سماع البائع مناديا « أبو الحلاوة يا تين» فهو يحتوى على نسبة كبيرة من السوائل والمياه التى تمنح الترطيب وتخفف آثار الحرارة، بخلاف الفاكهة الغنية بالمياه كالبطيخ والكنتالوب.
وللسيدات طرق أخرى فى تحدى الحر أهمها استخدام الورق والجرائد فى التهوية أو مروحة اليد الصغيرة والبعض يقوم بعملها من الورق خاصة بأماكن العمل ووسائل المواصلات العامة التى يجتمع فيها الحر مع الزحام لذا ظهرت المروحة المحمولة التى تعمل بالشحن ومزودة ببخاخ للمياه.
أما الأطفال فهم بالفعل متحدو الحر حيث يقومون باستخدام كل ما هو متاح بداية من رش المياه على بعضهم البعض باستخدام الزجاجات وأحيانا مسدسات المياه حتى السباحة فى النوافير العامة ، ولبعض الأسر طرق موروثة كرش الشارع بالماء ثم التجمع للجلوس أسفل المنازل أو بالحدائق المفتوحة ومنهم من يستمع بفسحة نيلية ، ونجد من يستلقى للنوم بالشرفات خاصة أو بأسطح المنازل مع وضع أغطية أرضية بسيطة منها الحصير.
وقد يجد البعض فى البقاء بالمنزل وتجنب النزول بساعات النهار الطريقة الأفضل للتغلب على الحر فى حين يتجه البعض إلى اللجوء للمحلات والمراكز التجارية المكيفة للبقاء بها فترة أطول، أما أصحاب هذه المحلات والعاملون بها فهم الأسعد حظا وكذلك مهن كان الحر سببا فى حظ اوفر لها كمحلات العصائر والآيس كريم التى يقبل عليها المارة بصورة كبيرة.
وفى الشوارع، تجد الباعة وقد نصبوا أغطية قماشية بسيطة من مشمع أو قماش قديم ليحتموا تحتها من أشعة الشمس والأهم حماية بضاعتهم كالفاكهة والخضروات التى تتأثر بالشمس والحرارة العالية ، وحتى الكتب وكافة البضائع.. فالمصرى معروف بارتباطه بما يحب.. الجدير بالذكر قيام الكثيرين بوضع المياه للطيور والحيوانات بالشارع وعلى الشرفات ليروى عطشهم فى ظل أجواء شديدة الحرارة.
الرطوبة
المرتفعة.. معاناة مستمرة
كتبت ـ ميرفت عبد الله وإيمان سيد:
شمس حارقة تلهب رءوس المواطنين.. موجة حر شديدة.. ارتفاع قياسى فى درجات الحرارة وسط تحذيرات من التعرض المباشر للشمس لما لها من أضرار.. كشفت الهيئة العامة للارصاد أن السبب يرجع لتأثر البلاد بامتداد منخفض الهند الموسمى مع ارتفاع الرطوبة الذى يفاقم الإحساس بالحرارة بمقدار 2 -4 درجات عن المسجل فعليا مما يزيد من الشعور بالإرهاق ويضاعف المعاناة.. كما حذر أساتذة البيئة والتنمية المستدامة من ارتفاع درجات الحرارة وأكدوا إنها ليست نتيجة لمؤثرات طبيعية فقط بل نتيجة للنشاط البشرى والتعديات على البيئة والقطع الجائر للأشجار والغابات، وزيادة الانبعاثات الكربونية الضارة، والتوسع العمرانى العشوائي، وغيرها من الممارسات التى تؤدى لارتفاع درجة حرارة الأرض.
يقول الدكتور محمود شاهين ـ مدير مركز التحاليل والتنبؤات بالهيئة العامة للأرصاد الجوية: تتأثر البلاد حاليا بمنخفض الهند الموسمى الذى يتسبب فى ارتفاع درجات الحرارة على أغلب محافظات الجمهورية بالإضافة لوجود مرتفع جوى فى طبقات الجو العليا يعمل على زيادة الشعور بارتفاع درجة الحرارة ويقلل من خروج الموجات والأشعة الحارة من سطح الأرض إلى طبقات الجو العليا ويعمل على ارتدادها مرة أخرى إلى سطح الأرض مما يرفع درجة حرارتها مع مرور هذه الكتل الساخنة على المسطحات المائية البحر المتوسط والبحر الأحمر، وأن ارتفاع نسبة الرطوبة والهدوء النسبى للرياح يزيد من الإحساس بحرارة الطقس بقيم تتراوح من 4:2 درجات، وأن ذروة الموجة الحارة الثلاثاء 29 يوليو لتكون درجات الحرارة فى الظل على القاهرة الكبرى 40: 41 «وجنوب البلاد 41: 46» والسواحل الشمالية 34: 35 .
يوضح الدكتور عبد المسيح سمعان ــ الأستاذ بكلية الدراسات والبحوث البيئة جامعة عين شمس حول ارتفاع درجات الحرارة ومظاهر الطقس المتقلب المصاحب لها: الوضع يبدو طبيعى فى فترة الصيف ومن المعتاد أن شهرى يوليو وأغسطس من أصعب الشهور ارتفاعا فى درجات الحرارة نظرا لتأثر البلاد بمنخفض الهند الموسمى ويرجع ذلك لارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية درجة ونصف مئوية وذلك بسبب التغيرات المناخية والاحتباس الحرارى وزيادة نسبة ثانى أكسيد الكربون الذى ارتفع إلى 420 جزءا فى المليون وأدى لزيادة درجات الحرارة من متوسط 15 إلى 16 ونصف مئوية وذلك ناتج عن الانبعاثات الضارة من عوادم السيارات والمصانع وغيرها من الملوثات، والاستخدام الكثيف للأجهزة الكهربائية التكييفات، والثلاجات، وأجهزة التبريد وغيرها من العوامل التى تؤثر سلبا أن غياب الغطاء النباتى يزيد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث أن ارتفاع درجات الحرارة فى المدن الكبرى مقارنة بالمناطق الريفية أو الساحلية يعود إلى عدة أسباب طبيعية وبشرية حيث إن كثرة المبانى والخرسانة والمواد المستخدمة من الأسمنت والطوب تمتص الحرارة خلال النهار وتطلقها ليلا، ناطحات السحاب والمبانى الكثيفة تمنع حركة الهواء مما يجعل الحرارة حبيسة بين المبانى وتقلل القدرة على التهوية الطبيعية، وهذه التغيرات أثرت على كل دول العالم حتى الدول الأوروبية نجد أن بعض المدن شهدت ارتفاعا فى درجة الحرارة وصل إلى 40 مئوية. .. وأشاد بجهود الدولة لمواجهة التغيرات المناخية إستراتيجية وطنية للتغير المناخى حتى عام 2050 والتى أطلقت منذ عام 2022 والتى ترتكز على النمو الاقتصادى المستدام، تعزيز حوكمة العمل المناخي،وتحسين البحث العلمى والتوعية وفى هذا الأطار كانت مبادرة الرئة الخضراء لزراعة 100 مليون شجرة حيث ان الشجرة الواحدة تمتص طناَ من ثانى أكسيد الكربون، والأتجاه نحو الطاقة المتجددة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر حيث إننا نستطيع التغيير من الاقتصاد البنى إلى الاقتصاد الأخضر، وبناء مدن جديدة مستدامة، ووسائل مواصلات ونقل صديقة للبيئة وإنتاج السيارات الكهربائية وإدارة المخلفات بشكل متميز، ومشاريع حماية الشواطئ والدلتا مثل محافظات بورسعيد والإسكندرية لمواجهة ارتفاع منسوب البحر وتآكل السواحل، وتطوير نظم الرى والتحول لمحاصيل تتحمل الجفاف وذلك لتقليل انبعاثات الميثان.