من المستفيد من الزواج.. الرجل أم المرأة ؟. الإجابة على هذا السؤال لا تحتمل الشعارات الرنانة والتعبيرات الفضفاضة، المطلوب فائز واحد، والأهم من ذلك علينا ألا نتصور أن السؤال سهل والإجابة ميسورة والنجاح مضمون، وعلينا قبل وبعد كل ذلك ألا نستهين بالسؤال أو نعتبره نوعا من العبث الذى لا يهدف إلى ما هو أكثر من التسلية واستهلاك الوقت. الأمر أهم وأخطر من ذلك بكثير، فالإجابة على هذا السؤال كانت محور دراسات وأبحاث علمية معملية استخدمت فيها كل الأدوات المتاحة من إحصاءات واستطلاعات وفحوص تشخيصية ومتابعات ميدانية.. والنتــائج التى توصــلت اليها هذه الابحــاث.. كانت ســببا فى خلافات واختلافات جذريــة بين العلماء الذين كالعادة لم يتفقوا على رأى ولم يريحونا أو يريحوا أنفسهم.
الحكاية بدأت قبل أكثر من ثلاثة عقود بالتمام والكمال، عندما خرجت علينا أستاذة فى علم الاجتماع برأى عبقرى مؤداه أن الرجل وحده هو المستفيد من الزواج، وأن توزيع المكاسب والفوائد والأرباح غير عادل فى هذه الشركة أو المؤسسة الاجتماعية، فالرجال يحصدون العسل، والنساء يتجرعن العلقم. الزواج بالنسبة للرجل دلع وانبساط وسعادة وفرح، وبالنسبة للمرأة هموم ومتاعب ومعاناة.. والطريف أن هذه المقولة تحولت إلى أحد الثوابت العلمية التى لا تقبل المناقشة أو الجدل، والأكثر طرافة أن معظم الأبحاث التى تناولت تأثير الزواج على الحالة النفسية والعضوية على طرفى العلاقة.. كانت تدور فى فلك هذه المقولة وتؤكدها.
وعلى سبيل المثال، دراسة تؤكد ارتفاع معدلات الانتحار بين الرجال غير المتزوجين مقارنة بمن يستمتعون بعسل الزواج، ولا تخبرنا عن الموقف الانتحارى للنساء غير المتزوجات.. ودراسة أخرى تؤكد ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية بين الذكور غير المتزوجين، ودراسة ثالثة تؤكد أن الزواج يقى الذكور من أزمات القلب ونوباته القاتلة دون أن توضح موقف قلوب الجنس الناعم، ولماذا التوضيح وكل وشىء واضح فى ضوء مقولة عالمة الاجتماع الشهيرة جيسى برنارد التى حولت المرأة إلى ضحية مسكينة والرجل إلى منتصر وحيد فى المعركة الزوجية، والتى على ما يبدو لم تقدم بديلا مناسبا للنساء يمكن أن يحل محل الزواج، الأمر الذى جعلهن يواصلن الارتباط بالرجال الظالمين ويقبلن القسمة غير العادلة ويرضين بالفتات.
وبما أن دوام الحال محال، فقد اهتزت نظرية الدكتورة جيسى برنارد بعنف على يد عالم أسترالى شجاع دخل طائعا مختارا عش «الدبابير» عبر دراسة علمية أيضا أثبتت أن عسل الزواج يوزع مناصفة بين الرجل والمرأة، وأن النكد الزوجى مسئولية مشتركة أيضا، وأن المرأة لم تعد هى الطرف «مكسور الجناح».. فأجنحة الرجال أيضا يمكن أن تتكسر أو هى بالفعل تتكسر على أيدى الزوجات «النكديات».
الدراسة التى أجراها البروفيسور ديفيد دى فوس أستاذ الطب النفسى بجامعة لاتروب فى ملبورن باستراليا أظهرت أن 13 فى المائة تقريبا من الرجال والنساء المتزوجين يعانون من ضغوط نفسية بشكل متساو، وهو ما جعل مجلة «نيوساينتست» العلمية تصف ما توصل إليه العالم الأسترالى بأنه «لطمة» قاسية للنظرية القائلة بأن الرجل وحده هو من يستفيد من الزواج.
الدكتور فوس قال انه بعد أن درس بيانات استطلاع للصحة الذهنية شمل أكثر من عشرة آلاف شخص خلص إلى أن ربع الرجال والنساء من غير المتزوجين يعيشون حياة بائسة، وأن السيدات المتزوجات اللائى أنجبن أطفالا أقل إصابة بمشاكل الصحة الذهنية.. وأن المتزوجات أكثر سعادة من غير المتزوجات، فالقسمة عادلة وشهد الزواج يكفى الجميع، عندما يكون هناك شهد بالطبع!