يقول الحكماء إن «الصحة تاج على رءوس الأصحاء»، لكن ما لم يخبرونا به أن المرض هو أفضل جهاز لكشف معادن الناس، فيبين لنا من يستحق لقب «صديق»، ومن هو مجرد رقم محفوظ فى الهاتف. بمجرد إن تدخل المستشفى وتستلقى على سرير المرض، وتدخل فى مرحلة تركيب المحاليل، تبدأ عملية الفرز الكبرى.. فالبعض يهرع إليك، والبعض يكتفى بـ «رد فعل»، وآخرون يختفون وكأنك أصبت بطاعون! ولان الطبيب منحنى إجازة اجبارية استعدادًا لجولة جديدة فقد شرعت فى استغلال هذه الاستراحة الإلزامية لمعرفة انواع الاصدقاء واستعنت «بالذكاء الاصطناعى» بعدما فشلت مع البشر لأجد انه قد قسمهم باحترافية وحيادية تكشف حقيقة الواقع الذى نعيش وتعكس طبيعية الحياة خلال هذه المرحلة.. فقال: النوع الأول: صديق «الإسعاف البشرى» ذاك الذى يصلك قبل أن يصل خبر مرضك إلى أمك. يطرق بابك حاملاً عصيرًا وكيس أدوية، ووجهه مشحون بالقلق كأنك على حافة الغيبوبة. لا يسأل: «هل تحتاج شيئًا؟»، بل يُحضر كل شىء وكأنه توقّع مرضك قبل أن يحدث. إنه ليس مجرد صديق، بل كائن خارق من فصيلة الأوفياء المهددة بالانقراض، إن وجدته.. لا تفرط فيه. النوع الثانى: صديق «الاتصال يكفى» هذا يرى أن التضحية فى زمننا الحديث تعنى مكالمة لا تتجاوز الدقيقة. يبدأ كلامه بـ»ألف سلامة يا غالى»، ويُنهيه بجملة: «كنت هاجى، بس خفت أعديك!» نُقدّر خوفك يا صديقى.. يبدو أنك مصاب بـ»أنفلونزا الضمير». النوع الثالث: صديق «الواتساب العاطفى» يرسل لك رسالة مزخرفة بالقلوب والدموع والرموز التعبيرية، مأخوذة -فى الغالب- من مجموعة جاهزة اسمها «أدعية الشفاء المؤثرة». هو لا يكذب، هو فقط يوفّر.. مجهودًا ووقتًا ومشاعر. النوع الرابع: صديق «الظهور بعد التعافى» يأتيك بعد أن استعادت خلاياك نشاطها، وأنت تتنفس من دون أجهزة، ويبتسم قائلاً: «كنت ناوى أزورك، بس الأيام جريت!» فى الحقيقة، هو كان ينتظر انتهاء «مرحلة الدموع» ليدخل على «مرحلة الشاى والبسكويت». النوع الخامس: صديق «الفقد الكامل» اختفى وقت المرض كما تختفى إشعارات النت الضعيف. لا رسالة، لا اتصال، لا حتى اعجاب على منشور دعاء. ثم يعود بعد الشفاء ليكتب لك تعليقًا دراميًا: «افتقدناك كثيرًا.. الحمد لله على سلامتك يا بطل!» شكراً.. لكن البطولة كانت فى غيابك. ثم اختتم تحليل الموقف وتحديد انواع الاصدقاء بكلمات مؤثرة موجعة تكشف الزيف وتوضح الحقائق: المرض مدرسة مجانية لا تمنح شهادات.. فقط تصحح العلاقات، المرض موجع.. نعم، لكنه أيضًا صادق. لا يمنحك عافية الجسد فقط، بل عافية القلب حين يُنقّى من «الزوائد الاجتماعية»، فى لحظة ألم، تكتشف أن بعض من ظننتهم أعمدة.. كانوا مجرد ديكور.. فلا تحزن على من غاب، ولا تفرح بمن حضر متأخرًا، المرض محنة.. لكنها أصدق من كثير من الصداقات.