فى كلمة بمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لثورة 23 يوليو 1952، وفى لحظة فارقة من عمر الوطن، أطل الرئيس عبدالفتاح السيسى بخطاب حمل الكثير من الدلالات والرسائل الواضحة، مؤكداً أن مصر نجحت فى عبور محن هذا العصر، فى وقت انهارت فيه دول وتفككت كيانات، وعصفت بالأوطان موجات من الفوضى والصراعات. كان الخطاب رسالة وعي، وتحليل واقع، ووثيقة ثقة فى وطن تجاوز عنق الزجاجة، رغم حجم التحديات وخطورة ما كان يُحاك.
الرئيس، كعادته،.. قالها بوضوح: «الجيش المصرى كان الحصن والسيف»، وهذا توصيف دقيق لما قام به أبناء القوات المسلحة، الذين لم يتوقف دورهم عند تأمين الحدود، بل حملوا الوطن على أكتافهم حين تخاذل البعض، وكانوا فى مقدمة الصفوف فى معركة وجود، لا معركة حدود.
فى خضم فوضى إقليمية طاحنة، تحولت فيها بعض الجيوش إلى ميليشيات، ودول إلى خرائط ممزقة، حافظت مصر على الدولة، على المؤسسات، على الثوابت.. هذه ليست مجرد شعارات، بل وقائع وحقائق نعيشها كل يوم، ونلمس آثارها فى استقرار الدولة، واستمرار البناء، وقدرة الناس على الحياة فى ظل دولة قانون ومؤسسات.
الرسالة الأهم التى حملها الخطاب جاءت فى نهايته، عندما قال الرئيس بثقة: «مصر ستظل منيعة بجبهتها الداخلية المتماسكة، عصية على المؤامرات والفتن، مبصرة بكل ما يحاك حولها».. هذه ليست مجرد طمأنة، بل هى تأكيد أن أمن مصر الحقيقى يبدأ من داخلها، من وعى شعبها، من صلابة نسيجها الوطني، من فهم المصريين أن كل ما يُثار من شائعات، ومحاولات التشكيك، إنما يستهدف ضرب الروح المعنوية وبثّ الفتنة.
ولأن الخطاب وطنى بامتياز، لم يكن خالياً من الإيمان، إيمان القائد بأن شعبه قادر، وأن هذا الوطن الذى واجه ما لا يُطاق، سيواصل مسيرته، ويدفع ثمن البقاء بشرف وصبر. يقول الرئيس: «إننى على يقين راسخ، أن هذا الوطن قادر، بإذن الله، وبما يحمله أبناؤه من قوة وصبر، على تجاوز التحديات وتخطى الصعاب مهما تنوعت وتعددت مصادرها».. وهذا هو جوهر المعركة: أن نملك الوعي، والثقة، والقدرة على الصمود.
القراءة الواعية لهذا الخطاب تضع أمامنا خريطة طريق:
> أولها أن ندرك حجم ما تم من تضحيات وجهود،
> وثانيها أن نحافظ على ما تحقق،
> وثالثها أن نكمل البناء بعقل يقظ، ويد تعمل، وقلب مخلص.
مصر عبرت المحنة، لكننا لم نصل بعد إلى بر الكمال..الطريق مستمر، والمهمة طويلة، لكننا نملك اليوم ما لم نكن نملكه بالأمس: وضوح الرؤية، وحدة الهدف، وقيادة تعرف جيدًا أن قوة مصر الحقيقية ليست فقط فى سلاحها، بل فى شعبها الواعي، وفى جبهتها الداخلية المتماسكة.
ذلك هو الرهان، وذلك هو الأمل.