قبل 69 سنة من اليوم وتحديدا فى 26 يوليو 1956 جاء صوت الزعيم جمال عبدالناصر من ميدان المنشية بالإسكندرية مزلزلا وهو يقول: «قرار من رئيس الجمهورية: تؤمَّم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، شركة مساهمة مصرية» قرار أربك قوى الاستعمار القديم ولم تكن عواقبه سهلة على مصر فشنت جيوش بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانهم على مصر فى نهاية أكتوبر من نفس العام؟ وتطور الموقف إلى تهديد روسيا بقصف لندن وباريس بالصواريخ النووية.
قصة التأميم مليئة بالتفاصيل.. ولم تنج من الهجوم حتى اليوم ليس فقط من الكتاب الأجانب ولكن مع الأسف كانت ومازالت هناك أصوات عربية بل ومصرية تقول إن عبدالناصر أخطأ فى قرار التأميم سنحاول أن نوجز فى عناوين «بالبنط العريض» بعض ملامح هذه القصة كما رواها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس» المرجع الأهم وربما يكون الوحيد لهذه القصة.
العنوان الأول: رفض البنك الدولى تمويل مشروع السد العالى فى 19 يوليو 1956 فى صباح 22 يوليو1956، اتصل عبدالناصر بمحمد حسنين هيكل، وطرح عليه فكرة تأميم شركة قناة السويس، وقال له: أعرف أنها ستكون معركة خطيرة، وفكرت فى احتمالاتها وأجريت حساباتى وأظن أن فرص النجاح أمامنا عالية,كان الهدف سيحقق إمكانية تمويل السد العالى كما يؤكد الاستقلال المصرى الكامل بما فيه استقلال الإرادة السياسية، ويضيف أهمية القناة إلى أرصدة مصر الإستراتيجية.
العنوان الثاني: خطاب المنشية بالإسكندرية فى 26 يوليو 1956 والذى شهد إلقاء قرار التأميم, بعد مراجعة خطة التحرك بكافة تفاصيلها مع الفريق المكلف بالتأميم، كانت كلمة السر لبدء التحرك هى «ديليسبس» التى كررها عبدالناصر فى خطابه للتأكد من سماع مجموعات التأميم لها، بدأ الخطاب فى الثامنة والنصف مساء، وقبل حلول العاشرة والربع كانت جميع المقار الرئيسية لهيئة قناة السويس تحت السيطرة المصرية.
العنوان الثالث: ردود الفعل: قالت موسكو فى بيانها «إن القناة ملك لمصر، وإن تأميمها إجراء قانونى عادي، لصالح اقتصاد مصر» بينما فى بريطانيا ثار رئيس الوزراء أنتونى إيدن، وهدد و توعد وبدأ العدوان على مصر بتحرك القوات الإسرائيلية فى سيناء بعد ظهر 29 أكتوبر 1956، وتولى الطيران الفرنسى والبريطانى ضرب مصر بداية من نهاية الشهر نفسه حتى 4 نوفمبر، ثم بدأت قوات المظلات البريطانية الهبوط فى بورسعيد، وتقدمت حاملات الجنود تحت حماية مدافع الأسطول ليبدأ الغزو البري، وتفجرت المقاومة الشعبية فى بورسعيد.
العنوان الرابع: الإنذار السوفيتي: وصل إلى لندن وباريس إنذار سوفيتى شديد اللهجة يطالب بوقف العمليات العسكرية فورا، وسحب القوات المعتدية، ويشير بوضوح إلى أن لندن وباريس ليستا بعيدتين عن مدى الصواريخ النووية حاول إيدن لقاء حليفه الرئيس الأمريكى الفائز حديثا فى الانتخابات دوايت أيزنهاور للرد على الإنذار لكن واشنطن لم ترغب فى أن تكون شريكة فى المغامرة وفى مساء 6 نوفمبر، أعلنت لندن وباريس قبولهما وقف النار وسحب قواتهما من مصر، ليحقق عبدالناصر انتصارًا سياسيًا كبيرًا.
العنوان الخامس والأخير: هل أخطأ عبد الناصر فى قرار التأميم؟: لا تزال الدعاية البريطانية منذ التأميم وحتى اليوم تردد أن عبدالناصر ارتكب خطأ كارثيًا حينما أمّم القناة، وأشعل فتيل الصراع الإقليمى والدولي، لأن القناة كانت ستعود لمصر فى عام 1968 بصورة طبيعية، طبقا لاتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888 باعتبار أن مدة عقد امتياز شركة القناة 99 عاما وسينتهى فى نوفمبر 1968و هناك من صدق هذه الدعاية وفى كل مناسبة متعلقة بعبدالناصر يردد أنه أدخلنا فى حروب وفعل كذا وكذا والحقيقة التى كشفتها الوثائق البريطانية التى أفرج عنها مؤخرا ونشرها موقع الإذاعة البريطانية أن بريطانيا ومعها فرنسا وقوى دولية أخرى خططت لعدم إعادة القناة للسيادة المصرية بعد انتهاء مدة الامتيازفى 1968 وأن السير فرانسيس فيرنر وايلى ممثل بريطانيا فى شركة القناة نبّه حكومته فى فبراير 1952 أى قبل الثورة بخمسة أشهر إلى احتمال تسريع إجراءات تمصير أو تأميم القناة وقدم توصية لقيت قبولا بعدم إعادة القناة للمصريين وجرى الإعداد لتنفيذها فى السر ــ بحسب الوثائق ــ وهذا معناه أن عبدالناصر كان محقا فى تأميم القناة وأن قراره كان تاريخيًا غير وجه المنطقة.