مصر دشنت نموذجًا فريدًا
فى الإنسانية والمسئولية يؤمن بتكامل مسيرته الحضارية ويتميز بتماسك جبهته الداخلية
ما بين ثورة 23 يوليو 1952 التى احتفلنا منذ أيام بذكراها الثالثة والسبعين، وثورة 30 يونيو 2013 التى احتفينا بها قبلها بأسابيع.. تبقى كلمة السر فى «الشعب المصري» صاحب الإرادة العليا، وقواته المسلحة الوفية له، والحامية لإرادته، والمحافظة على كرامته واستقلال قراره، على مر الدهر.
من هنا تكمن أهمية الكلمة التى وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسى للأمة بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو فى كونها ترسى القيم، وتؤكد المبادئ، وترسخ المحددات التى سار عليها الوطن عبر تاريخه، ويتمسك بها فى حاضره، ويستمر عليها فى مستقبله.
أكد الرئيس فى كلمته عمق الانتماء للمشروع الوطنى الحديث الذى بدأت أولى ملامحه ليلة 23 يوليو 1952 حين رفع ثوار يوليو «مبادئ الثورة الستة» التى غيرت وجه الحياة فى مصر والشرق الأوسط، وانهت حقبة الاحتلال البغيض، ونقلت مصر من التبعية إلى الاستقلال الحقيقى.
>>>
ما أشبه الليلة بالبارحة، فقد جاءت أيضًا ثورة 30 يونيو 2013 بمشروع وطنى جديد يستهدف تحرير الأمة، والحفاظ على هويتها، وضمان سلامة مسيرتها بعيدًا عن تجار الأوطان والأديان الذين لم يؤمنوا بفكرة الوطن يومًا، واعتبروه «حفنة من تراب عفن».
ومن هنا جاءت كلمة الســـيد الرئيس السيسى – 2025 – بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة يوليو لتستعرض مسيرة الماضى فى إطار رؤية علمية تستشرف آفاق المستقبل.
تحدث الرئيس، ولم يقتصر حديثه على مجرد إحياء الذكرى التاريخية فى حدودها التقليدية، بل تناول مسيرة الحاضر، وانطلق نحو آفاق الغد بكل طموحاته وآماله وأحلامه، ليؤكد تراكم الرصيد الوطنى للدولة المصرية.
رسم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته مجموعة من المحددات لمسار الدولة المصرية يمكن أن نستعرضها فى المحاور الأربعة التالية:
< أولاً: تكامل المسيرة الحضارية
يؤمن الرئيس السيسى بأهمية تكامل المسيرة الحضارية للدولة المصرية، وأن الماضى هو المصباح الذى ينير للمجتمع مسيرته الحاضرة، ليستوعب منه الدروس، ويعينه على الانطلاق نحو غد أفضل لا تكرر فيه أخطاء التاريخ.
وقد عبر الرئيس عن ذلك بكلمات واضحة قال فيها: «فى مثل هذا اليوم، سطر المصريون صفحة مضيئة فى تاريخ بلدهم، حين اندلعت شرارة ثورة يوليو عام 1952، لتكون نقطة تحول فى مسيرة الوطن، أنهت حقبة الاحتلال البغيض، ورسخت قيم العزة والكرامة والاستقلال، وأضاءت مشاعل التحرر فى دول العالم الثالث ومنطقتنا العربية فكانت الثورة المصرية مُلهمة للخلاص من الاستعمار واستقلال القرار الوطني.
إذ نحيى اليوم ذكرى الثورة، فإننا نستحضر تجربة وطنية متكاملة، نغوص فى أعماق دروسها، ونتخذ من نجاحها وتعثرها، ما ينير لنا طريق «الجمهورية الجديدة»، تلك الجمهورية التى انطلقت منذ عام 2014، مرتكزة على دعائم صلبة، ورؤية طموح، وخطى ثابتة نحو إقامة دولة عصرية، تأخذ بالأسباب العلمية لتحقيق طموحاتها، وتثق فى توفيق الله سبحانه وتعالى لإدراك غاياتها.
< ثانيًا: صناعة الأمل بالعمل والكفاح
لم يكن الطريق نحو صناعة الحاضر وصياغة الغد مفروشًا بالورود، بل كانت المسيرة مليئة بالتحديات التى عبرتها الدولة ومؤسساتها بالعمل والكفاح، ما بين تحديث القدرات العسكرية، ومواجهة الإرهاب البغيض، والقضاء على العشوائيات وغير ذلك الكثير مما تحقق فى وقت قياسي، فى دولة عملت بمنهج «يد تبنى ويد تحمل السلاح».
وصف الرئيس ما تحقق خلال سنوات العمل والأمل بقوله: «على مدار السنوات الأخيرة، كانت الدولة المصرية سباقة فى صناعة الحاضر وصياغة الغد فحدثنا جيشنا الباسل، حتى أصبح درعًا حصينة وسيفًا قاطعًا، وهزمنا الإرهاب، وتطهرت أرض الكنانة من براثنه، وشهدنا طفرة عمرانية شاملة، فأزيلت العشوائيات، وشُيدت المساكن، وأسست مدن ذكية، وقفزت البنية التحتية قفزات نوعية غير مسبوقة وانطلق مشروع «حياة كريمة»، ليعيش نحو 60 مليون مواطن فى بيئة حضارية، وغير ذلك من الإنجازات المشهودة فى كافة ربوع الوطن.
< ثالثًا: تدشين نموذج فريد فى الإنسانية والمسئولية
حافظت مصر على مفهوم «الدولة الوطنية» بكل ما أوتيت من قوة فى إقليمها المضطرب، ودشنت نموذجًا فريدًا وملهمًا فى الإنسانية والمسئولية، وحافظت على مسيرتها الحضارية وكيانها واحة للأمن والاستقرار فى الوقت الذى يقف العالم فيه شاهدًا على انهيار دول وسقوط شعوب، ليس هذا فحسب، بل أصبحت مصر ملاذًا آمنًا يؤوى كل من لجأ إليه مفتقدًا لنعمة الوطن فى بلده.
أوضح الرئيس السيسى ذلك بعبارات قاطعة الدلالة بقوله: «لقد حققت مصـر إنجازات عديدة، فى زمن انهارت فيه دول، وتفككت كيانات، وتعاظمت المحن، لكن مصر – بفضل الله تعالي، ثم بوعى وإدراك المصريين – ظلت دار الأمن والاستقرار، وملاذًا إنسانيًا مضمونًا، فقصدها نحو عشرة ملايين شخص من بلاد كثيرة، وقدمت للعالم نموذجًا فريدًا فى الإنسانية والمسئولية، ورغم الضغوط المتواصلة، لم تتخل مصر يوماً عن مسئوليتها القومية والإنسانية. وبفضل الله، ثم بإرادة هذا الشعب العظيم ووعيه، تمكنا من الصمود وتحمل الصعاب، وحافظنا على الوطن واستقراره، وسلكنا طريق البناء، فى ملحمة وطنية قوية، بعزيمة وسواعد لا تعرف الانكسار».
< رابعًا: تماسك الجبهة الداخلية
وفى ختام كلمته، أشار الرئيس السيسى إلى أن البطل الحقيقى هو «الشعب»، كاشفًا عن أن السر وراء كل ما تحقق من إنجازات يكمن فى «تماسك الجبهة الداخلية» ووحدة الشعب المصرى على قلب رجل واحد.
قال الرئيس: «إن مصر ستظل منيعة بجبهتها الداخلية المتماسكة، عصية على المؤامرات والفتن، مبصرة بكل ما يحاك حولها. وإننى على يقين راسخ، أن هذا الوطن قادر – بإذن الله تعالى وبما يحمله أبناؤه من قوة وصبر – على تجاوز التحديات، وتخطى الصعاب، مهما تنوعت أشكالها، وتعددت مصادرها».
>>>
إن القراءة التحليلية لكلمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو 1952 تكشف أننا أمام خطاب سياسى راق لرجل دولة من الطراز الأول، رئيس يقرأ معطيات الواقع جيدًا ويضعها فى سياقها التاريخى السليم، ليقدم رؤية متكاملة الأركان لمفهوم «الأمن القومي» لدولة ظلت عبر مسيرتها المديدة، ومازالت صانعة للسلام والاستقرار وواحة للأمن والأمان.
حفظ الله مصر.. وكل عام ونحن يد واحدة فى حب مصر.