عرفته في فترة الأحداث المضطربة والفوضى التي لم نرها أبداً خلاقة، كان مؤيداً بلا عضوية معلنة لتنظيم ذهب أدراجه، وفي نطاق محدود كانت تعبيراته حماسية وصادمة ثم اختفى أو تم إخفاؤه لسنوات وقابلني منذ شهور عضواً نشطا في أحد الأحزاب البارزة وسألته ما الذي حدث معك؟ فابتسم في ثقة قائلاً: خطفنا الزمن بسرعته الرهيبة ولذا فإن ما لم نزرعه بالأمس نحاول اليوم حصاده! وسلم على ومضى إلى حال سبيله بينما وقفت مندهشاً متأملا في عبارته: ما لم نزرعه بالأمس نحاول حصاده اليوم!
وعندما نتحدث في التخفي أو الإخفاء فإننا أمام أكثر من معنى منها ما هو جسدي وما هو معنوي أو نفسي كما يوجد فارق بين المختفى والمخفي وفقاً لطبيعة الحالة أو الفعل، والمختفي هو شخص أو شيء غاب عن النظر وتوارى، بينما المخفي شخص تم إخفاؤه أو ستره لغرض معين سواء كان ماديًا أو معنويًا، فالمختفي مثلاً شخص غادر المكان ولم يعد مرئياً بينما المخفي شخص أخفي عن الأنظار والعلن عن عمد ليقوم بعمل ما دون أن يراه أحد.
والسؤال: كيف يصبح إنسان أو شخص ما مخفياً؟ في الفلسفة الوجودية يطرح سؤال هل يختفي إنسان إذا توقفت عقولنا عن ملاحظته أم يظل حاضراً ونحن لا نفكر فيه أو لم نره؟ ومن هنا يأتي سؤال آخر عن مدى تأثير عقلنا البشري في تصوراتنا لواقع حضور هذا الإنسان أم عدم حضوره، فهل إذا اسقطنا من حساباتنا وجود هذا الإنسان فإنه غير موجود؟
في الواقع يعتمد وجوده كما وجود الأشياء الأخرى على الوعي كما يقول (سارتر) وفي حياتنا عندما نقول أن فلانا قد أسقطناه من حساباتنا أو أنه بالنسبة لنا غير موجود، وأننا لا نفكر فيه بالمرة أي أن الوعي به قد توقف تماماً لكن هذا الفلان قد يمثل خطراً أو يمارس تأثيراً على حياتنا بشكل مخفي ودون أن ندري وبالتالي غير قادرين على مواجهته لأنه خارج نطاق الوعي به. وهنا لا يكون الإخفاء شيئاً مادياً أي أنه ليس موجوداً أمامنا وتحت أنظارنا بل نفسي ومعنوي، هناك بعض من البشر لا نقيم لهم وزناً لكن رغم أنوفنا حاضرين وفاعلين ومؤثرين في حياتنا على نحو خطير أو شرير، وقد يتم الإخفاء لفترة من الوقت أو لسنوات لأمر ما لكن كان موجوداً ينتظر لحظة الإعلان عن وجوده ومن هذه الزاوية يكون الوعي بالواقع أكثر حضوراً وتعقيداً في الوقت نفسه، ويعبر المبدع (سيد حجاب) عن هذا النوع من اللقاء فيقول: ولما تتلاقى الوشوش مرتين ما بيتلاقوش يوم اللقا الثاني … عمر الوشوش ما تبقى بعد السنين نفس الوشوش دي بتبقى شيء تاني.