فى زمن لم تعد فيه المرايا من زجاج فقط، باتت مرآتنا موزعة بين راحة أيدينا، ومعصمنا، وجيوبنا، وعلى مكاتبنا.. صارت أجهزتنا الذكية أكثر من أدوات.. وشواهد على لحظاتنا، مرايا رقمية تعكس ما لا تراه العين كلما نظرتِ إلى هاتفكِ، تذكّر أن هناك من يراكِ من داخلك.. من يتتبع خطواتك، ويراقب تعبير وجهك، ويحسب نبضك.. ذاك السوار حول معصمكِ، لا يكتفى بقراءة ضربات قلبكِ، بل يحللها، ويفسرها، ويتوقع حالتك النفسية فى صمت.
فى هذا العالم المتسارع، أجهزتكِ لم تعد أدوات للرفاهية، بل أصبحت امتدادًا لحياتك حين تتحدث، يسجّل الصوت ويتعرف على المشاعرحين تمشي، يحسب خطواتك ويُقاس جهدك.
وحين تصمت، تراقب كاميرات الأجهزة صمتك لتفهم: هل أنتِ بخير؟ أم هناك ما يُقلقك؟
أجهزتكِ اليوم تحفظ أسراركِ أكثر من أقرب صديق لك تعرف من تحب، ومن تتجاهل، ماذا تحلم، وماذا تخاف تسجل كل اختيار صغير ماذا تأكل؟ متى تنام؟ كيف تستيقظ؟
وتعرض لكِ تقريرًا عنكِ، لكن كما تراكِ الخوارزميات.. وهنا يقف السؤال، كمرآة أخرى ..هل نحن من نُدير هذه الأجهزة، أم أصبحت هى من تُديرنا؟هل ما نفعله اليوم هو انعكاسٌ لما نريد، أم لما اقترحته علينا إشعاراتنا اليومية؟ والخوارزميات
الذكاء الاصطناعي، ذاك الكائن الخفى الذى يسكن أجهزتنا، لا ينام يتعلّم من كل نقرة، من كل حركة، من كل حرف وهو لا يحكم، لكنه يُوجّه. لا يأمر، لكنه يُغري. لا يقود، لكنه يُرشد حيث يريد لا حيث نريد نحن بالضرورة ولكنكِ ما زلتِ تملك زمام الاختيارما زال بإمكانكِ أن تجعل من أجهزتكِ مرايا حقيقية، لا قفصًا شفافًا أن تبرمج أنتِ ما يعكسونه، لا أن يبرمجوكِ بصمتٍ وأنتِ لا تشعرين
فاجعلى مرآتكِ الذكية انعكاسًا لهويتك، لأحلامك، لإرادتك فى زمن الذكاء الاصطناعي، أنتِ ما تزال الإنسانة وأجهزتك.. ما هى إلا مرآة لحياة تصنع بوعيكِ، أو تتركها تُصنع دونك.
وربما فى لحظة صفاء، تُطفئ كل الشاشات، وتُغلق الهاتف، وتُصمت صوت الإشعارات.. لتسمع صوتكِ الحقيقي، بعيدًا عن ضجيج الذكاء الاصطناعى فأجهزتكِ، رغم كل ذكائها، لا تستطيع أن تُفسّر نبض قلبٍ مكسور، أو دمعة نزلت بلا سبب، أو حلم صغير تَخجل أن تبوح به.
وهنا، تتجلى الحقيقة العميقة أن الإنسان، مهما تطورت تقنيته، يظل أعظم من أن يُختصر فى معادلة أو يُفهم بخوارزميات .فلتكن أجهزتكِ الذكية خادمة لوعيك لاحلامك ولطموحاتك المستقبلك، لا سيّدة لقراراتك.
ولتظل أنتِ.. القلب العاقل وسط عالمٍ يزداد ذكاءً كل ثانية، ويكاد ينسك أن تكون إنسانيًا.